... وآخْرتها مع جائزة "بوكر"؟

... وآخْرتها مع جائزة "بوكر"؟

05 يوليو 2021
+ الخط -

ما فتئت الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) تفاجئنا كلّ عام بانتقاء الروايات الأبهت من قائمتها القصيرة، ناسفة بضع رواياتٍ في هذه القائمة، فرضت نفسها نماذجَ تظهر فيها بجلاء جمالية الرواية العربية، وتعكس نضجاً كبيراً، منها روايتا "ملك الهند" لجبّور الدويهي و"الحي الروسي" لخليل الرز، على سبيل المثال، في دورة العام الماضي (2020).
حينما نقرأ الرواية الفائزة نُصاب بخيبة أمل في أدبنا. هل يمكن أن يكون هذا الأدب، الذي يقرأ بلغته أكثر من ثلاثمائة وخمسين مليون إنسان، وتُنشر به مئات الروايات كلّ عام، هل يمكن أن يكون بهذا المستوى المتدنّي الذي تفاجئنا به جائزة "بوكر" كلّ عام؟ هل يمكن لهذه النشرة السنوية "البوكرية" أن تستمر في إحباطنا كلّ عام؟ ألا يكفينا كلّ هذا التخلّف والهزائم في وطننا العربي، حتى تُفاقم "بوكر" بهذه القتامة السنوية، إحباطنا ويأسنا من أدنى أمل في التغيير؟
الأدب، ومنه الرواية تحديداً، هو أفضل ما يمكن أن ينتجه العرب في هذا الوقت. والدليل ما هو موجود من روايات مهمة، تُقرأ بصورة ملفتة، وتوسّع خريطة تداولها بين القراء، بل إنّ إبداعات بعض الروائيين تُشكل أفقَ انتظار للقراء، مثل روايات العراقي علي بدر، المبنية على مشروع متنوّع.
كانت الأمنية من جائزة "بوكر" أن توجّه الذائقة، لا أن تكون ذائقةَ الجمهور العام هي الأعلى. لا أعترض على لجان التحكيم، فهُم، في النهاية، خمسة أفراد بذائقات مختلفة. لكنْ، هل يمكن أن يكون أعضاء لجنة التحكيم في معزل عن القارئ العربي؟ سؤال يفرض نفسه من منطلق أنّه في كلّ عام بعد أن يُعلن اسم الرواية الفائزة، تنهال عليها "الانتقادات" من عموم القراء، ما عدا روايتي يوسف زيدان "عزازيل" (دورة 2009) ومحمد حسن علوان "موت صغير" (دورة 2017)، اللتين قوبلتا بشبه إجماع من القرّاء. وقد اتضح ذلك على مستوى ردود الفعل، المباشرة التي رصدتها وسائل التواصل، والمتأنّية، التي حظيت بها هاتان الروايتان، اللتان ما زالتا تُقرآن بالشغف نفسه.
حين نُنصت إلى رؤساء لجان التحكيم، في تصريحاتهم، نسمعهم ونراهم يتحدّثون عن المضامين أكثر مما يتحدّثون عن الرواية كفنّ أدبي، أو كلعبة تخيلية، تُشكل اللغة أساساً له. المضامين لبّ كلّ رواية وأسّها ونواتها، لكنّ الأهمّ في كلّ فنّ كيفية تقديم هذه المضامين والطريقة التي "تقال" بها.
جائزة "بوكر" على الرغم من أهميتها واستحواذها على مكانة كبيرة في الواقع الروائي العربي، وقوة جاذبيتها، غدت مع تقدّم الوقت تفاجئ القرّاء بعدم اختيار الرواية الأقوى ضمن قائمتها القصيرة.
يبذُل أعضاء لجان التحكيم جهداً كبيراً في اختيار القائمة الطويلة، إذ يضحّون أحياناً بما يناهز ثلاثين عملاً مستحَقاً بسبب الحيرة الكبيرة في الاختيار. ويمكن التماس العذر لهم في ذلك، لكنّهم يبذلون جهداً أقلّ في اختيار القائمة القصيرة، حين نفاجأ بإقصاء رواياتٍ أساسيةٍ من القائمة الطويلة. وتتجلى لحظة الارتباك الكبيرة في اختيار الرواية الفائزة، كما حدث مع "بريد الليل" (دورة 2019) التي تعدّ الأضعفَ في روايات اللبنانية هدى بركات، ليس فقط قياساً إلى إنتاجها المتين، وإنّما قياساً إلى روايات القائمة القصيرة نفسها. الأمر الذي أثار دهشة القراء، إذ لم تكن اللجنة محايدة، وضعُفت أمام سحر اسم الكاتبة.
وما على من يرغب في التيقن من اختيارات لجان التحكيم للفائزين سوى أن يقرأ القوائم القصيرة كلّ عام، ليكتشف، بسهولة، الرواية الأجدرَ بالفوز. عليه، كذلك، أن يُتوجها فائزةً بجدارة واستحقاق، وإن "افتراضياً" ما دامت للجان التحكيم اختياراتٌ أخرى في "الواقع".

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي