هل يستطيع الأردن إلغاء معاهدة السلام؟

هل يستطيع الأردن إلغاء معاهدة السلام؟

24 نوفمبر 2023

آلاف الأردنيين في مظاهرة في عمّان تطالب بإسقاط معاهدة السلام (27/10/2023/فرانس برس)

+ الخط -

قبل أن يصل ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبدالله، على متن طائرة عسكرية إلى مطار العريش لضمان إدخال مستشفى ميداني عسكري أردني إلى جنوب غزّة، كان العاهل الأردني، عبدالله الثاني، قبل أسبوعين يُصر على أن يقود بنفسه الطائرة التي ستكسر الحصار، وتُنزل الإمدادات الطبّية للمستشفى الميداني الأردني في شمال غزّة. وأمام هذا الإصرار، تصدّى رئيس الأركان للمهمّة، وفق أحاديث انتشرت في عمّان. ويؤشّر هذا كله إلى غضب أردني من حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي، والمخاطر التي تهدّد المنطقة، وفي مقدمتها الأردن إذا اتسع نطاق الحرب، والعدوان.

المواقف الأردنية في مواجهة إسرائيل تتصاعد، فقد استقطبت الملكة رانيا اهتماما عالميا في تعريتها الجرائم الإسرائيلية، ما جعلها هدفا لحملات صهيونية ضدها، وكذلك وزير الخارجية الأردني الشجاع، أيمن الصفدي، على هامش اجتماع مع وزير الخارجية الأميركي بلينكن في عمّان بحضور الملك، حين أجابه على اقتراح قدّمه بنقل الغزّيين مؤقّتا إلى الجنوب، ثم عودتهم حين تنتهي الحرب، بأنه سيأخذه في جولةٍ على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، الذين أخبرهم العالم أنهم سيعودون إلى بيوتهم بعد أيام، وهم منذ 75 عاما يحلمون بالعودة إلى ديارهم.

تتقاطع المواقف الرسمية مع صوت الشارع الأردني كل يوم يستمر فيه العدوان الإسرائيلي أكثر، وأكثر، فقد بدأت الحكومة بإعادة سفيرها من تل أبيب، وأعلنت عدم ترحيبها بعودة السفير الإسرائيلي إلى عمّان، وصعّد رئيس مجلس النواب، أحمد الصفدي، من لهجة خطابه، وطلب من اللجنة القانونية في المجلس مراجعة كل المعاهدات والاتفاقيات مع دولة الاحتلال، وبعد ذلك خرج وزير الخارجية، أيمن الصفدي، ليعلن أن بلاده لن توقع اتفاقية الكهرباء مقابل الماء مع إسرائيل، وأثار هذا الخبر بهجة في الشارع، وزاد سقف المطالب والتوقعات بإلغاء كل اتفاقيات التطبيع الاقتصادي مثل "اتفاق الغاز"، والأهم معاهدة السلام (وادي عربة).

معاهدة السلام المجحفة بحقّ الأردن تتعارض مع التزاماته، وواجباته الدولية، فهو عليه رفض جرائم الإبادة الجماعية، وهذه ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعليه أن يتصدّى لها

لا يتوقف النقاش السياسي، والقانوني، والحقوقي في مسار العلاقات الأردنية الإسرائيلية التي فُرضت منذ 30 عاما، وبالرغم من مباشرة مجلس النواب في استدعاء الخبراء للاستماع إلى آليات التعامل مع المعاهدات، فإن التوقعات أن لا يندفع البرلمان إلى تقديم مشروع قانون لإلغاء معاهدة السلام، والأرجح أن يظلّ بالتوافق مع الدولة في مواجهة محسوبة، ولا يرمي كل الأوراق مرّة واحدة، والاكتفاء في المدى المنظور بما قاله الوزير أيمن الصفدي إن معاهدة السلام وثيقة مهملة على الرفّ يعلوها الغبار. ولكن هذا التحسّب لم يمنع المجتمع المدني من الضغط لإلغاء المعاهدة. وقد حضرت جلسة نقاش استضافت المحامي والخبير الدستوري، أنيس القاسم، والمحامية والخبيرة في القانون الدولي المقيمة في لندن، شهد الحموري، نظمتها هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني (همم) لأعضائها لفهم أفضل سياق للتحرك الحقوقي والقانوني. والخلاصة أن معاهدة السلام مع إسرائيل لا تنصّ على آلية لإلغائها، أو الانسحاب منها، أو حتى تعليقها، لكن ذلك لا يمنع الحق السيادي لأي دولة من الخروج من أي معاهدة. والسؤال المطروح: ما هي التبعات السياسية والاقتصادية المترتبة على الأردن، حال قرر المضي في إلغاء المعاهدة؟ وهل البلاد مستعدّة للتعامل مع واقع جديد، وتداعيات إقليمية، ودولية أولها مواجهة الحليف الأميركي؟

يرى الخبراء أن أسلم طريق للقيادة الأردنية أن يسلكوا طريق التحكيم للإلغاء استنادا إلى خرق إسرائيل بنود الاتفاقية. وهناك مداخل متعددة، منها أن الاتفاقية تبنى على حُسن النية، وسوء النية واضحة في خروقات إسرائيلية متعدّدة؛ على سبيل المثال، الوصاية الهاشمية على المقدسات. وطريق التحكيم الدولي شائك، وطويل، وعرضة للتلاعب، فقضية التحكيم في قضية طابا بين مصر وإسرائيل استمرت أكثر من سبع سنوات، مع أن الخلاف كان على أرضٍ لا تزيد مساحتها عن 1028 مترا مربعا.

استخدمت دولة الاحتلال قانون القوة في مواجهة القانون الدولي، ولم يتصدَ العالم في استخدام القانون الدولي لإفشال قانون القوة

ما يُتفق عليه قانونيا أن معاهدة السلام المجحفة بحقّ الأردن تتعارض، في ظل العدوان على غزّة، مع التزاماته، وواجباته الدولية، فهو عليه رفض جرائم الإبادة الجماعية، وهذه ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعليه أن يتصدّى لها، وقد يكون هذا مسارا آخر لمطالبات الإلغاء.

ويرى القانونيون أن هناك استراتيجيات أخرى ربما أكثر نجاعة، وأسرع، وأكثر إيلاما للإسرائيليين من الدخول في متاهة إلغاء اتفاقية وادي عربة، كالذهاب إلى محكمة العدل الدولية في دعوى ارتكاب إسرائيل جريمة إبادة، أو الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية في شكوى أخرى تدعم الطلبات المقدّمة للمدعي العام للمحكمة لمباشرة التحقيق في جرائم حرب ارتكبتها دولة الاحتلال في غزّة.

ويمتدّ النقاش الحقوقي والقانوني إلى استخدام الولاية القضائية الدولية لملاحقة قادة الاحتلال باعتبارهم مجرمي حرب، وتضييق الخناق عليهم، ومطاردتهم في بلدان العالم، ويستذكرون ملاحقاتٍ قانونية لرئيس حكومة إسرائيل الأسبق، شارون، وقادة إسرائيليين آخرين منعتهم من زيارة دول خوفا من أوامر قضائية بإلقاء القبض عليهم.

ما زال حقّ المقاومة في السجال الذي فتح بعد هجوم كتائب عز الدين القسّام (حماس) وسرايا القدس (الجهاد الإسلامي) في 7 أكتوبر على مستوطنات ومواقع إسرائيلية يلقي ظلاله، فالمحسوم أن هناك سلسلة قرارات للأمم المتحدة أقرّت الحق في مقاومة الاحتلال، وفي هذا السياق توصيفات كثيرة لإسرائيل دولة احتلال، وفصل عنصري، ودولة استعمارية، والمؤكّد في القانون الدولي أنه لا يجيز لدولة محتلة أن تتذرّع بحقّ الدفاع عن النفس، وهو ما تتجاهله الدول الغربية التي تعطي صكّا على بياض للاحتلال ليروّج كذبة هذا الحقّ.

كل الاحتمالات مشرعة، والأردن دخل في مكاسرة سياسية مع دولة الاحتلال، لن تضع أوزارها في القريب العاجل

باختصار، استخدمت دولة الاحتلال قانون القوة في مواجهة القانون الدولي، ولم يتصدَ العالم في استخدام القانون الدولي لإفشال قانون القوة. ولهذا، كل المنظومة الدولية التي ناضلت الشعوب في العقود الماضية لتكريسها حفظا للسلم، ومنعا للحرب، مهدّدة بالانهيار والفشل.

يعرف الأردن قبل غيره أن إسرائيل تستبيح كل المعاهدات والاتفاقيات، ليس خارج حدوده فقط، وإنما أيضا في داخله، ويستعيدون محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (السابق)، خالد مشعل، على يد رجال الموساد في شوارع عمّان، وتهديد الراحل الملك الحسين بإلغاء معاهدة السلام إذا لم تُحضر إسرائيل الترياق لمعالجة مشعل من السمّ، والإفراج عن قائد حماس الشيخ أحمد ياسين. ولم تتوقف الخروق فتبعها اغتيال القاضي رائد زعيتر على جسر الملك حسين، وتلتها جريمة القتل في السفارة الإسرائيلية لأردنيين، وبدلا من محاكمة القاتل رحّب به رئيس الوزراء نتنياهو ودعمه.

بعد العدوان على غزّة تاريخ مختلف في العلاقات مع إسرائيل، وسواء ألغى الأردن اتفاقياته مع الاحتلال، أو ظلّت مجمّدة، فإن الثابت أن عمّان شعبيا لن تقبل بعودة عقارب الساعة إلى الوراء قبل 7 أكتوبر. ولهذا يأمر الملك عبدالله الثاني بأن يُعطى مشروع الناقل الوطني للمياه من البحر الأحمر الأولوية القصوى، حتى لا يهدّد مسؤول إسرائيلي الأردن بالعطش، بعد أن أوقف اتفاقية الكهرباء مقابل الماء.

كلّ الاحتمالات مشرعة، والأردن دخل في مكاسرة سياسية مع دولة الاحتلال، لن تضع أوزارها في القريب العاجل.

4544416F-44A0-42D5-A824-5B5A388EDF32
نضال منصور

الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، ومقره في عمّان، ناشر جريدة الحدث/وموقع عين نيوز، عضو اللجنة الاستشارية لحرية الصحافة/اليونسكو 2000-2003. حائز على جائزة "Hellmann Hammett" بترشيح من هيومن رايتس وتش عام 1998.