مهرجان الشعر الرديء

مهرجان الشعر الرديء

21 يناير 2024
+ الخط -

أرسل صديقٌ إليّ رابط فيديو قصير، يتضمّن تقريراً متلفزاً عن المهرجان الدولي الأول لشعر المقاومة في سورية، الذي أطلقوا عليه اسم "قوافي النصر"، وأعلنوا أنه يقام برعاية السفارة الإيرانية في دمشق. استُهلّ المهرجان بكلمة للسفير الإيراني، أعلن فيها أن هذا النشاط الأدبي يقام في الذكرى الرابعة لاستشهاد المقاوم الكبير، الحاج قاسم سليماني، وتشارك فيه كوكبة من الشعراء الذين كتبوا قصائدهم للشهداء، وقادة المقاومة. شكّل هذا الخبر، بالنسبة لي، محسوبكم، استفزازاً كبيراً.. ولكن؛ أرجو ألا يذهب بكم الظن إلى أنني أتحدّث، هنا، من موقع الثائر، المعارض نظام الأسد، الذي يتصيد سقطاته ومطبّاته، ليسخر منه، ويهزّئه، نصرة لقضيته. فأنا أقول، على الدوام، إن نظام الأسد، مثل المصفاية العامرة بالثقوب، لا يعيبُها ثقب جديد! إن مصدر الاستفزاز هو السؤال: إلى متى سيُسْتَخْدَم الأدب، والشعر العمودي خصوصا، مطية للأجندات السياسية غير الوطنية، وغير الجمالية؟

من هذا المنطلق، أستطيع الزعم إن شعراء الثورة والمعارضة ليسوا أحسن حالاً من الشعراء الذين يمدحون الممانع بشّار الأسد، والمقاوم الحاج قاسم سليماني، فلو أنت دخلت عالم "يوتيوب" لهالَكَ وجود شعراء ثائرين يلقون قصائد عمودية في مديح الثورة وقادة مناطق النفوذ التي عرفت باسم "المحرّر"، بينهم واحد يعيد صياغة قصيدة أمل دنقل "لا تصالح"، وآخر يتكئ على شعر مظفر النواب لتوجيه السباب للحكام... ومن قبيل الاسترسال، أتذكّر الحادثة التالية: حينما كنتُ عضواً في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، رمضان 2015، دعتنا جهة ثورية، إلى عشاء في أحد مطاعم إسطنبول، وكالعادة، ألقيت، بعد العشاء، كلماتٍ ثورية، حماسية. ولأنني أمقتُ الخطابة، فقد تسرّبتُ إلى استراحة الجناح، ووقفتُ مع بعض الهاربين مثلي، ورحنا نتبادل بعض الأخبار والأحاديث، لتمرير الوقت، ولكن، فجأة؛ أحسسْنا بتغير الجو داخل الصالة. دخلنا، مدفوعين بالفضول، فرأينا رجلاً في الثلاثين من عمره تقريباً، وقد انفلت بين الحاضرين، وراح يُلقي شعراً حماسياً، إذا لم تجرّده من الوزن والقافية فلن تستطيع أن تدرك مدى سخف معانيه، ومع ذلك أجّج مشاعر الحاضرين الذين لا يعرف معظمُهم من الشعر غير هذا الذي يُلقى في المهرجانات الخطابية. المهم؛ اشتعل المكان بالتصفيق، وتألّق الشاعر المذكور، بل انتفش مثل الديك الهندي، وصار يصل البيت بالبيت، والقصيدة بالقصيدة، وسط جوٍّ من الحبور وصل إلى حد أن أحد الإخوة المعارضين طلب منه إعادة ثاني قطعة شعرية ألقاها في هذا الحفل البهيج، فأعاد إلى أذهاننا كيف يصيح الجمهور بمطربهم المفضّل، عندما ينهي وصلته "ما صار".

ومن ميزات مهرجان "قوافي النصر" المذكور أنه كان قادراً على إحياء شخصياتٍ أدبية طواها النسيان، أعني حسين جمعة الذي أصبح، نتيجة حظنا التعيس، شاعراً صنّاجة، مدح الشهيد قاسم سليماني ببيتين لم يُمْنَ قومٌ قبلنا بمثل ركاكتهما قط: يا خليلاً تَنَزَّلَ الطهرُ منه/ يُشعل الضوءَ في مداه ويبقى. ... لن يدوم الظلامُ فالفجر آتٍ/ يسحق الظلمَ في المرابضِ سحقا. ... في مثل هذا الجو، الذي يبدو جدّياً وهزلياً في الوقت ذاته، نتذكّر عادل إمام الذي ترحّم، في إحدى مسرحياته، على بعض أعلام التنوير، كرفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين، وزكي جمعة.. ثم استدرك متسائلاً: مين زكي جمعة؟ هذا الأمر، وعلى الرغم من الحالة الهزلية التي أبدعها عادل إمام، حدث معنا نحن الكتّاب السوريين، سنة 2005، فبعد علي عقلة عرسان، الذي استمرّ في حكم الاتحاد أطول من مدة حكم حافظ الأسد نفسه، فوجئنا بحسين جمعة رئيساً للاتحاد مكانه، فراح كل اثنين من أدباء سورية يتبادلان السؤال نفسه: "مين هادا حسين جمعة؟".

أخيراً: إنني على ثقة تامة بأن إقلاع بعض أصحاب المواهب الضحلة عن كتابة الشعر الرديء، أمر مستحيل، ولكننا نأمل أن يستجيبوا لنداءاتنا، ويطلقوا على هُرائهم اسماً آخر، غير "شعر".

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...