من يُعدّ عشاء آدم سميث؟

من يُعدّ عشاء آدم سميث؟

23 سبتمبر 2022
+ الخط -

أفرط آدم سميث في الحديث عن الكائن الاقتصادي، وهو يحلّل مبادئ الإنتاج وقوانين السوق. من خلال النموذج الشهير عن المسار الذي تقطعه وجبة عشاء، قبل أن توضَع على الطاولة. فاللحم يمرّ على الفلاح ثم الجزّار، والخبز يمرّ على المُزارع ثم المطحنة ثم الفرن، قبل أن يوضَع على مائدة الفرد. ولكن آدم، في عملية شرحه مكوّنات المائدة، تغاضى عمّن يطبخ العشاء الذي يتحدّث عنه، في صيغته الاقتصادية، فالطبخ جزء أساسي من العملية التي تمر منها الوجبة، والتي لم تصل بدافع من الواجب أو الحب، بل من باب المنافع الخاصة.

المشاركون في عملية صناعة عشاء المرء، يفعلون ذلك في مقابل مادّي لجهدهم، لذا هم حريصون على رضاه، ليس من أجله، بل من أجلهم. وإذا رأيتهم يبالغون في الحرص على جودة ما يُنتجونه، فمن أجل أن يظلّ زبونا لهم، لا من أجل لون عينيه أو حجم بطنه. لكن ماذا عمّن يطبخ هذا العشاء؟ ما هو المردود الذي يحصل عليه في مقابل وضع الوجبة على الطاولة؟

هذه الرؤية النقدية الفريدة للإنسان الاقتصادي، حسب تعريف آدم سميث، قدّمتها الكاتبة السويدية katrine Maçel، في كتابها "من أعدّ عشاء آدم سميث؟" ( Who Cooked Adam Smith's Dinner؟)، معلقة على نظرية أبي علم الاقتصاد. استشهدت كاترين بمقولة فيدل كاسترو "الأسوأ من استغلال الرأسمالية متعدّدة الجنسيات للأفراد ألا يكونوا عرضة لاستغلال الرأسمالية متعدّدة الجنسيات". وهو هنا يتحدّث عن الإقصاء الاقتصادي لفئات معينة، ولعله كان على حقّ، فكما قالت مارغريت ثاتشر: "ليس هناك بديل"، عن الرأسمالية على الأقل في الوقت الراهن، فالرأسمالية، وإلى حدود أزمة 2008، وحّدت البشر جميعا، وهو ما لم تنجح فيه أي فكرة أو إيديولوجيا، بما فيها الأديان.

يعتمد الأفراد على المنفعة الخاصة من أجل ضمان توفّر ما يحتاجونه، لأن المنافع الخاصة لا تنضب. وهي بالضبط ما سمّاها سميث اليد الخفية التي تُحرّك الاقتصاد، وتحرص على تواصل الحركة ودوامها. لكن أساس كتاب "من يعد عشاء آدم سميث؟"، الذي لقى رواجا كبيرا في العالم كله، أن هناك جنسا غير مرئي، يعمل بعيدا عن متناول اليد الخفية لآدم سميث، واقتصاد السوق، والكائن الاقتصادي. هو "الجنس الثاني"، الذي يقوم بعمل ضخم فُرض عليه أن يكون بدافع الحب، لا بدافع المنفعة. لهذا ظل خارج عجلة الاقتصاد. ووُضعت العاملات فيه على الرفّ. وهن بالفعل عاملات، حتى لو كنّ زوجات أو أمهات، يقدّمن ما ينتجن للأزواج والأبناء. فكل ما هو كدح/ عمل يعني أن القائم به عامل، ولابد من جزاء مادّي مقابل الجهد المادي.

يمكن أن يُقابَل الحب بالحب، فهو كائنٌ غير اقتصادي يخضع لطبيعة العلاقات. ورغم ذلك، حتى هذا الفعل، غالبا لا يكون له أثر حقيقي، إلا إذا كان متبادلا، فالمشاعر عملية تبادلية، إلا في استثناءاتٍ معينة، مثل حب الأمهات. وبدرجة ثانية، حبّ الآباء، فهو لا يخضع لقانون المقايضة. رغم أنه حتى في هذه العلاقة لا يكون المردود بالحجم نفسه، وإلا فلم تحبّ الأم أحد أبنائها أكثر من الآخرين؟

لذا تقول كاترين "كن الشخص الذي يُضاف إلى الحساب"، باختيار الأعمال التي تُضاف إلى الحساب. وهي على حقّ، إنما لا ننسى أن الطبخ هو الجهد الأكبر في المسار الذي تقطعه المنتجات الخام، في كميةٍ كبيرةٍ لعدد غير محدود من الأشخاص، فالطبخ عملية تقتصر على كمية صغيرة، ولفرد واحد أو لأفراد محدّدين، بناء على ما يرضي حاجة خاصة لا عامة. لذا يجب أن يكون المردود لمن يقوم بعملية الطبخ أكبر من غيره. يكفي أن تتناول وجبتك في مطعم، حتى تعرف أن تكلفة مكوّنات الطبق لا تشكل سوى ربع سعرها على الأكثر، بينما يمثل الطباخ والمكان الثلاثة أرباع الأخرى.

لهذه الأسباب، نجح آدم سميث في الإجابة عن نصف سؤاله الأساسي، لكنه لم يحصَل على عشائه لمجرّد أن التجار خدموا منافعهم الخاصة، بل لأن والدته، وهو الأعزب، كانت تطبخ له وتضع طعامه على الطاولة، كل مساء.

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج