من ينشغل بالقمة العربية المقبلة؟

من ينشغل بالقمة العربية المقبلة؟

22 يناير 2022
+ الخط -

تُبدي الجزائر حماسة ملحوظة لعقد دورة جديدة للقمة العربية على أراضيها، وكان مقررا موعدها أواخر مارس/ آذار المقبل قبل أن يعلن مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، حسام زكي، من الجزائر نفسها، إرجاء القمة إلى موعد لم يحّدده. ويأتي ذلك الحماس في سياق سياسة تعزيز الانفتاح الدبلوماسي التي تنتهجها الجزائر، مع العمل على تجديد مكانتها في العالم العربي وفي العالم. وفي هذا الإطار، جاءت الجولة العربية لوزير الخارجية رمطان لعمامرة التي شملت السعودية والإمارات ومصر وقطر حتى كتابة هذه السطور. وذلك "بغية بناء أرضية مشتركة بشأن أجندة القمة والسعي إلى إنجاحها على صعيد التوصيات والمخرجات، والحرص على ضمان تمثيل رفيع المستوى فيها"، حسب ما أوردته وسائل إعلام جزائرية.

ومقابل هذه الحماسة لعقد القمة، لا يجد المرء صعوبة في ملاحظة أن هناك فتوراً عربيا عاما، حيال هذا الاستحقاق السنوي، لأسباب عديدة، في مقدمها أن نسبة كبيرة من الدول العربية لم تعد تتحمّس للعمل ضمن أطر جماعية، وأنها تفضل تحديد خياراتها وشقّ طريقها وبناء علاقاتها وفقا لما ترتئيه من أولوياتها ومصالحها. ولعل هذا الأمر ليس جديدا، فلطالما عملت الأنظمة السياسية وفق مصالحها أولاً، مع التزام لفظي بقرارات القمم وميثاق جامعة الدول العربية، لكن الحال ازداد وضوحا وانكشافاً في العقد الأخير. وهو ما انعكس على بهوت شديد في مكانة الجامعة وفي أنشطتها. ويتصل بذلك أن دولا عربية لا ترغب في أن تكون خياراتها وسياساتها موضع نقاش، ناهيك أن تكون موضع اعتراض من أطراف "شقيقة" في محفلٍ عام، وليس بعيدا عن عيون مراسلي وسائل الإعلام وآذانهم، ويعزّز من هذا أن تصنيف الدول والأنظمة بين دول "كبيرة" أو مركزية ودول غير ذلك، هذا التصنيف الضمني، والذي كان مرعياً في الماضي، لم يعد معمولاً به، إذ طرأت عليه تغييرات وتبدّلات، ولكن من دون أن تسود قناعة بديلة بأن الدول والأنظمة متساوية في الأهمية والمكانة، بصرف النظر عن الحجوم والأوزان السياسية والجيوسياسية والاقتصادية. يضاف إلى هذا الاضطراب الداخلي الذي يعصف بأحوال عدة دول عربية، مثل السودان وليبيا واليمن، وحيث لا تملك هذه الدول ما تقدّمه لغيرها، وهي العاجزة عن تقديم الأمن والأمل لشعوبها وبلدانها، فضلا عن أحوال خانقة تُطبق على دول أخرى، مثل سورية وتونس ولبنان والعراق، وحيث تتعرّض شعوب هذه البلدان إلى أزمات ضاغطة ومتراكبة، ويصعب تقديم العون لها إذا كانت هناك إرادة لتقديم هذا العون، إذ تعمل الأطراف النافذة والمتنفذة في هذه الدول على قصر الدعم عليها.

لم تعد قرارات القمم مع ميثاق الجامعة مرجعاً يتم الاحتكام إليه والتذكير به، كما لم يعد له محلٌّ في الأدبيات السياسية الرسمية إلا في ما ندر

وسوى ذلك، يصعب الإقرار بأن العالم العربي ما زال واحدا أو شبه موحّد، إذ تتعدّد الخيارات السياسية وبناء العلاقات والتحالفات مع العالم الخارجي إلى درجة التضارب، خلافا لما كان عليه الوضع، حتى نهاية الألفية السابقة، حين كان هناك حد أدنى من الالتقاء والالتزام، على الرغم من اختلاف السياسات وطبيعة الأنظمة السياسية، إذ كان الخروج عن الإجماع آنذاك إما محدودا، أو يتم بطريقة متكتمة ووراء ستار من التعتيم الكثيف، مع محاولة التوفيق (أو التلفيق) بين سياسات فعلية والتزامات عامة معلنة. وقد تغير الأمر الآن، ولم تعد قرارات القمم مع ميثاق الجامعة مرجعاً يتم الاحتكام إليه والتذكير به، كما لم يعد له محلٌّ في الأدبيات السياسية الرسمية إلا في ما ندر و"بحكم العادة". وإلى درجةٍ بات يتعذّر معها تحديد ما هي القضايا العربية محل الإجماع، أو التي يتم التوافق على الخوض بشأنها مع الأطراف الخارجية، وكانت تسمّى، من قبل وعن حق، القضايا العربية العادلة. وقد تم التخلي تدريجيا عن هذه القناعات، ولمصلحة لغةٍ متعاليةٍ تدّعي الانتساب الى العصر، وتزعم، بين سطور خطابها، أن ليس للعرب قضايا قومية أو إقليمية أو جماعية خاصة بهم، إذ إن قضايا العالم، على غرار مكافحة الإرهاب والتنمية الذكية وتوطين التكنولوجيا واعتماد الطاقة النظيفة هي قضاياهم دون غيرها!

وعلى هذا، فإن نسبة معتبرة من أعضاء محفل القمة هم أول من يضيق بهذه المناسبة، ويتفلت منها، ويبدي التردّد بشأن المشاركة بها، ويلجأ إلى إرجاء إبداء الموافقة إلى آخر أمد ممكن، وإذا شارك فعلى أدنى مستوى تمثيلي. دع عنك الشعوب التي انفضّت عن هذا السامر، بعد أن استنفد أغراضه، وبات هيكلا خاويا إلا من كلام مكرور، لا يُلزم أصحابه بشيء بصرف النظر عن التواقيع على القرارات، فقد بات الحاكمون والمحكومون على التقاء وقناعة متبادلة بأنها ليست أكثر من مناسبة إعلامية تقتضيها البروتوكولات، وتمُليها العادات الموروثة في التقاء عدد من القادة العرب، دفعاً لما كان يسمّى "العمل العربي المشترك".

يصعب الإقرار بأن العالم العربي ما زال واحدا، إذ تتعدّد الخيارات السياسية وبناء التحالفات مع العالم الخارجي إلى درجة التضارب

ويُحسن البلد المضيف صنعا لو أنه يتخفّف من الحماسة الشديدة لعقد القمة على أراضيه، وذلك حتى لا ينعكس إخفاق هذا الحدث (لو انعقد)، أو خروجه بنتائج باهتة روتينية وضعيفة، على البلد المضيف، والذي يبدو مستعدّا للانفتاح على الجميع وفي سائر الاتجاهات، ما عدا الجار الأقرب، وهو المغرب، حيث جرى قطع العلاقات مع الرباط، وقبل أن تقوم الأخيرة بعلاقة وثيقة ومتشعبة مع تل أبيب. ويصعب تصور عدم انعكاس القطيعة مع المغرب على أجواء القمة ومداولاتها ونتائجها. وإذ يُحسب للجزائر ويُقدّر سعيها إلى الإعلاء مجدّداً من شأن مكانة قضية فلسطين عربيا، وتجديد الالتزام بنصرتها، وإلى درجة تسمية القمة المقبلة "قمة فلسطين"، وتسبيق ذلك بتقديم دعم مالي بـ 300 مليون دولار للسلطة الفلسطينية، علاوة على دعوة الفصائل إلى العاصمة الجزائرية، في مسعى جديد إلى ردم خلافاتها المعيبة.. إذ يحسب ذلك للبلد المضيف ويُثمّن، فالراجح أن قمّة تُعقد ليوم وبعض يوم لن تفلح، على الرغم من حسن النيات في تغيير واقع رسمي عربي، يتنكّر لقراراته على مدى أزيد من سبعة عقود، وحتى لقرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة بهذه القضية، التي ما زالت تحتل مكانها في وجدان الشعوب، على الرغم من الانشغال بقضايا حياتية حارقة.

ويبقى في هذا المجال الإشارة إلى أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية تتطلب قراراتٍ تلغي قراراتٍ سابقة بتجميد عضويتها، وقد أبدى البلد المضيف حماسةً مبكرةً ومسبقة لهذا الشأن، وقبل صدور قراراتٍ تجُبّ ما سبق، علما أن الشعب السوري، على أرضه وفي المنافي الاضطرارية، والذي يلاقي الأهوال يستحق الالتفات والإصغاء إليه.