من أزال تمثال الملك حسين؟

من أزال تمثال الملك حسين؟

19 يناير 2023

(مهنا الدرّة)

+ الخط -

هناك روايتان لإزالة تمثالٍ لم يرَ النور إلا ساعات قليلة للعاهل الأردني الراحل الملك حسين عام 1995. وفي الرواية الشائعة أن سودانياً يُدعى عثمان كان يعمل في مطابخ القصور الملكية دخل على الملك في مكتبه غاضباً، وسأله: كيف تسمح لهم بإقامة صنمٍ لك، وأنت حفيد من حطّم الأصنام؟ قالها عثمان، فانتقل الغضب إلى الملك الذي أمر بإزالة التمثال على الفور.

لكن رندة حبيب، وهي من كبار مراسلي وكالات الأنباء في الأردن، وكانت مقرّبة من الدوائر اللصيقة بالعاهل الراحل الذي كانت تربطه بالصحافيين علاقة تتسم بالود، تلمّح إلى سبب آخر. تذكر في كتابها "الحسين أباً وابناً" أن رئيس الوزراء الراحل، زيد بن شاكر، أوصى بإقامة التمثال لإهدائه إلى الملك في عيد ميلاده، بينما هناك من يقول إن أمين عمّان في حينه كان وراء الفكرة، لكن الأهم كان ردّة فعل العاهل الراحل. تقول حبيب إنها سألت الملك على مائدة غداء عن مصير التمثال، فأجابها بأنه قد يكون في أحد المخازن. وبعد صمت قصير قال لها إنه يمكن إزالة الرأس من التمثال، وإرسال باقي الجسم إلى حافظ الأسد للاستفادة منه. ووسط موجةٍ من الضحك أعقبت ذلك، قال الملك حسين إنه علم أن التمثال صنع في كوريا الشمالية، وبذلك يكون منسجماً مع تماثيل الأسد التي لا تُحصى في سورية.

يشير هذا إلى نفور الملك من محاولات توثينه سياسياً، على غرار زعماء الدول المجاورة، وإنْ لم ينفِ احتمال وجود سبب ديني، وإنْ لم يكن حاسماً، فمن المعروف عن العاهل الراحل عنايته بالفنون، بل إن التشكيلي مهنّا الدرة ما كان ليصبح ذائع الصيت، وتباع لوحاته بآلاف الدنانير في سبعينيات القرن الماضي، لو لم يكن فنّان القصر، كما كان يوصف.

على أن سابقة إزالة تمثال الملك لا تُسحَب بالضرورة على تاريخ طويل من تغييب التماثيل والمنحوتات في الأردن، ولا تقصُر سبب ذلك على الدينيّ، كما يسعى كثيرون لتبرير إزالة تمثال للسيد المسيح نُصب في بلدة الفحيص (أغلب سكانها مسيحيون) قبل أقلّ من أسبوعين. فما يلاحظه أي زائرٍ لعمّان، خلوها من أي تمثال، فالعاصمة الأردنية، وهي جميلة وتتميز كثير من بيوتها المستقلة وأحيائها الغربية بذوق معماري رفيع، تبدو على عداءٍ غير مفهوم مع المجسّمات الفنية، رغم حاجتها الفنية/ الجمالية لذلك، فأنت لا تعثُر في وسط البلد على تمثال لعبد الحميد شومان أمام البنك العربي الذي أسسه عام 1930، ولا على تمثال لهزّاع الذنيبات، أشهر شرطي مرور في تاريخ البلاد، ولا على تمثال لبائع الفستق أبي أحمد، وهو نيجيري الأصل، ولا لحسن أبو علي صاحب أشهر كشك لبيع الصحف والكتب، وهم علاماتٌ في تاريخ المدينة، ولو أقيمت تماثيل لهم، فإنما لتكريمهم، لا عبادتهم بالتأكيد.

يتعلق الأمر بما هو جمالي مغيّب، لا بما هو ديني يحرّم ويحلّل، فلم يسبق أن أزيل تمثالٌ في الأردن لأسباب دينية معلنة أو بعد فتوى أو مظاهرات. والتماثيل التي أزيلت قليلة في كل الأحوال. فقبل تمثال السيد المسيح في الفحيص، أزيل تمثال جميل جداً كان منصوباً في محيط الدوّار السابع في جبل عمّان عام 2014، وكانت الحجّة تحويل الدوار إلى إشارة ضوئية، وقد أُنجز بمناسبة الاحتفال بعمّان عاصمةً للثقافة العربية عام 2001. كذلك أزيل مجسّم فنّي في مدخل مدينة جرش للفنان غسّان مفاضلة، وكان من ضمن مشاريع فعاليات جرش مدينة للثقافة عام 2015، بمعنى أن إنجاز بعض التماثيل كان برعاية رسمية على نحو أو آخر، وجاءت إزالتها بقراراتٍ تحرص على النأي بالدولة عن القرار، وهذا يعني تغليب مخاوف مفترضة لدى بعضهم (الجهات الأمنية غالباً) من ردّات فعل مفترضة يردّ أصحابُها التماثيل إلى التحريم والتحليل، وهو ما لم يثبت ويتأكد، خصوصاً أن إسلاميي الأردن جزء من النظام وأقرب إلى الاعتدال منهم إلى التيارات المتطرّفة.

من المؤسف أنك تجد تمثالاً لأبي القاسم الشابي في توزر، مسقط رأسه، ولأحمد شوقي في القاهرة وروما، ولا تجد تمثالاً لشاعر كبير مثل وهبي وصفي التل (عرار) في مسقط رأسه إربد (شماليّ الأردن)، كأنها بلاد لا تريد أن تكرِّم أو تتذكّر أو تتجمّل.

زياد بركات
زياد بركات
قاص وروائي وصحفي فلسطيني/ أردني، عمل محررا وكاتبا في الصحافتين، الأردنية والقطرية، وصحفيا ومعدّا للبرامج في قناة الجزيرة.