زيلنسكي متسوّلاً بعد الهجوم الإيراني

زيلنسكي متسوّلاً بعد الهجوم الإيراني

18 ابريل 2024
+ الخط -

لم يكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أفضل أحواله، ليلة السبت الماضي، وهو يتابع ردّ فعل حلفائه في الغرب، وطائراتهم تحلّق في منطقة الشرق الأوسط، وتتصدّى لسيل جارف من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران، في أول هجماتٍ تنطلق من أراضيها على الإطلاق، وتستهدف إسرائيل.

تبدو أسئلة زيلينسكي للوهلة الأولى مشروعة، فلماذا يكرّس الغرب، وفي مقدّمته الولايات المتحدة، جهوده العسكرية والدبلوماسية كلها لتجنيب إسرائيل ردّاً إيرانياً عقابياً ولا يفعل ذلك مع بلاده؟ ولماذا نتنياهو وليس هو؟ لماذا تزوّد واشنطن تل أبيب بأحدث الأسلحة، ومن بينها طائرات إف - 35، وتقيم جسراً جوياً لتزويدها بالذخائر حتى من دون موافقة الكونغرس، بينما هو يتسوّل تزويده بأي مضادّات جوية أو منظومات دفاع صاروخية هو في أمسّ الحاجة إليها كي لا تسقط تشاسيف يار (شرق أوكرانيا) بعد باخموت؟

ليس زيلينسكي هاملت لتكون أسئلته ذات صبغة فلسفية وجودية، بل مجرّد ممثل تورّط في الدور أكثر مما يجب، فجرّ بلاده إلى مستنقع أُريد لروسيا أن تغرق وتتخبّط فيه. لكن أسئلته، وسواه من مسؤولين أوكرانيين، تكشف للمرّة الألف "استثنائيّة" العلاقة الإسرائيلية بالولايات المتحدة وفرادتها، والارتباط العضوي بينهما، وهو ما لا تحظى بمثله كييف وسواها حتى داخل أوروبا الغربية. يعرف زيلينسكي ذلك جيداً، ولذلك سعى، منذ بدء ما سمّته روسيا العملية العسكرية الخاصة في بلاده، إلى التماهي مع إسرائيل، وعندما تعذّر عليه ذلك حاول الربط بين الغزو الروسي والمقاومة الفلسطينية، بين أوكرانيا وإسرائيل باعتبارهما ضحيّتي الإرهاب الذي يجب أن تتكاتف الجهود الدولية لهزيمته. وعندما أخفق في هذا أيضاً، سعى إلى التودّد لإسرائيل نفسها باعتبارها صاحبة التأثير الأكبر على واشنطن، في ظنّه على الأقل، فذكّر الإسرائيليين بغولدا مائير، قال لهم إن البيت الذي نشأت فيه في العاصمة كييف لا يبعد أكثر من خمس دقائق عن مقرّ الرئاسة الأوكرانية، وأن أوكرانيا اتّخذت قرارها قبل نحو 80 عاماً بإنقاذ اليهود، فلماذا لا تتّخذون قراركم. "اللامبالاة تقتل"، قالها بما يشبه التسوّل، لكنّ أحداً في إسرائيل لم يغادر مقعده ويمدّ يده إلى زيلينسكي الذي ظنّ أن يهوديته وحدها تكفي لإنقاذه من الدبّ الروسي الغاضب.

على أن الرئيس الأوكراني ظل في مربّع الرهان على تغيّرٍ ما في موقف إسرائيل، من شأنه ترجيح كفّته داخل دوائر النفوذ في واشنطن. وكلما لاحت فرصة اغتنمها لتملّق إسرائيل، فغداة هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي سجلت نصراً استراتيجياً نادراً للمقاومة الفلسطينية، لم تنجح حرب الإبادة على غزّة في محوه أو تحويله إلى هزيمة، سارع زيلينسكي إلى عرض نفسه حليفاً لتل أبيب، يقف معها في الضرّاء، فاقترح القيام بزيارة تضامنية، لكن ردّ إسرائيل كان مزيجاً من الاستخفاف والصفعة، فالوقت غير مناسب لزيارةٍ كهذه، بينما استقبلت بترحاب استثنائي بايدن وزعماء غربيين آخرين في الفترة نفسها، فماذا كان رد فعل الرجل على الصفعة؟ لا شيء يشي بأن ثمّة كرامة هنا، والأخيرة يمكن أن توصف بها مواقف الدول كما الأفراد، بل المزيد من محاولات التودّد لإسرائيل، والمساعي التي لا تكلّ للربط بين روسيا وأي قوةٍ في الإقليم تناصب تل أبيب العداء، فهجمات السابع من أكتوبر التي فاجأت قادة حركة حماس في الخارج أنفسهم، وليس إيران فقط، هي في رواية زيلينسكي التسويقية ذات صلة بروسيا وإيران اللتيْن قال إنهما متورّطتان في الهجمات بتأجيجهما الصراع في المنطقة. لكن أحداً في العالم لم ير مساهمة استثنائية أو مقاربة تستحقّ التوقف في كلام زيلينسكي ذاك. ولا بأس في أن يستمرّ الرجل في محاولاته التي يبدو أنها لا تستوقف أرنباً يركض في حقل ذُرة، كما يقال في الاستعارات، ما اضطرّه إلى التسوّل مجدّداً بعدما رأى كيف هبّ الغرب لإسقاط المسيّرات والصواريخ الإيرانية قبل سقوطها في إسرائيل: نحن بحاجةٍ أيضاً، وليس إسرائيل فقط، لمن يساعدنا للتصدّي للتهديدات الجوية الروسية، فتصرّفات إيران تشبه ما تفعله روسيا، وكلتاهما تتعاونان في نشر الإرهاب، وتهدّدان بنشوب صراع أكبر في العالم، ويجب أن يكون هناك ردٌّ موحّدٌ ضدهما.

ألا تسمعون تضرّعات زيلينسكي؟ أليس ثمّة أحد يصدّقه ويهرع لنجدته؟ ألم تسمعوا صرخاته اليائسة؟ ليس زيلينسكي هاملت ليخلّد النقاد والتاريخ والنظّارة أسئلته ويتعاطفوا مع توسّلاته.

زياد بركات
زياد بركات
قاص وروائي وصحفي فلسطيني/ أردني، عمل محررا وكاتبا في الصحافتين، الأردنية والقطرية، وصحفيا ومعدّا للبرامج في قناة الجزيرة.