مطلوب زوجة لطفل

مطلوب زوجة لطفل

15 يونيو 2022

(محمد شبعة)

+ الخط -

في أحد المستشفيات الحكومية كانت امرأة ثلاثينية، مع طفل في الثالثة من عمره يبدو عليه الهزال والمرض على مقعد خشبي متآكل، تبث شكواها لي وإلى آخرين، فسمعت معهم سريعا قصة حياتها قبل أن ينادي ممرّض شاب باسم طفلها، لكي يعلن عن دوره للفحص المجّاني، فغابت معه، وتركتني مع قصتها المحزنة، حيث تزوّجت شاباً يعاني من تخلّف عقلي، بحيث لا يتجاوز عمره العقلي الفعلي خمس سنوات، وهو من عائلة فقيرة، ومن الطبيعي أن يكون بلا عمل. ولمجرّد أن تهرُب من لقب عانس الذي بدأ يطاردها، ولأنها تتحدر أيضا من عائلة فقيرة لم تستطع أن توفر لها تعليما، وبالتالي لا تجيد أي عمل، وها هي اليوم أصبحت أمّا في الوقت الضائع، حسب قولها، لطفلٍ مصاب بأكثر من إعاقة خلقية. وأصبحت كذلك تقضي أيامها في التنقل ما بين المستشفيات والعيادات المجانية التابعة للمؤسسات الخيرية.

أمعنتُ كثيرا في تفاصيل حكاية زواج هذه المرأة، ووضعت يديّ على فتوى جديدة خرج بها عضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر، عبد الله النجار، حيث أشار إلى أن من لا يستطيع الإنفاق على الزوجة ومنحها حقوقها في حياة كريمة، والإنفاق على الأطفال وتربيتهم في بيئة طيبة فلا يتزوج. وفي الحقيقة، ووسط استهجان هذا الرأي وليس الفتوى (إن توخينا الدقة)، فيجب علينا أن نؤيده كل التأييد في ظل ما نراه حولنا من مشكلات أسرية أدت إلى مشكلات اقتصادية، ألقت بظلالها على الضحايا وهم الأطفال.

علينا أن نتفكّر كثيرا بحال هذا الطفل البائس الذي التقيتُ أمه. كان يرتدي ملابس ممزّقة، ولا يملك حذاء. جاءت به أمه محمولا على كتفها، فيما أشارت إلى حذائها البالي من مكان بعيد سيرا على قدميها، وكيف أن والدي زوجها (الطفل) ينفقان عليهما من مساعدات أهل الخير، وأنهما قرّرا تزويجه، لأنه رجل، ويجب أن يتزوّج، وحرصا منهما على الحفاظ على نسل العائلة حسب قولها. قالت ذلك في سخرية مريرة، ومشيرة إلى أنها قد وضعت طفلها عن طريق التلقيح الصناعي. أما السبب الثالث الذي ساقته أمامي فهو بحث والدي الزوج عمن يعيل ابنهما ويعنى به في المستقبل، ولم يكونا يعرفان أنه سوف ينجب طفلا مثل هذا الطفل. ولم يفكّرا لحظة كيف سينشأ هذا الطفل مع أبٍ لا يملك مقومات تربية الأطفال، وأم جاهلة بائسة، لا تملك لمواجهة قسوة الحياة سوى دموعها وحذائها البالي.

لم يفكّر والدا الزوج الطفل، كما أطلقت عليه، بالطبع بمصير المجتمع مع أطفال بؤساء مرضى، سيصبحون متسولين على قارعات الطرق، أو سيتوجهون إلى أن يصبحوا عمّالا في سن صغيرة، ونتسبّب بنماذج مكرّرة من الصبي الذي نراه دائما في الدراما العربية، صبي الميكانيكي الذي تسرب من المدرسة وأصبح تحت يد "الأسطى" الذي لا يتوقف عن ضربه وركله، ويتقبل ذلك كله راضيا مقابل قروش قليلة يعود بها لعائلة كثيرة الأفواه.

احتفل العالم، أخيرا، باليوم العالمي لمناهضة عمالة الأطفال، حيث دشّنت منظمة العمل الدولية هذا اليوم في العام 2002، لتركيز الاهتمام على مدى انتشار عمل الأطفال، وبذل الجهود اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة المتزايدة مع تدهور الوضع الاقتصادي في العالم، نتيجة تداعيات سياسية ليست خافية، ويمكن الحدّ منها من خلال الأسرة، ومن خلال ضبط قوانين الزواج قبل ذلك، وعمل الحكومات والجهات المسؤولة على تقييد حالات الزواج؛ بحيث توضع شروط صارمة بشأن أهلية الزوجين؛ لأن نتاج أي حالة زواج هو الأطفال الذين يأتون لهذه الحياة كضحايا، ولا يملكون حولا ولا قوّة، ولا يمكن أن يكونوا، مع بؤس حال والديهم وعدم أهليتهم ليصبحوا آباء وأمهات لا عون ولا سند ولا عزوة، ولا حتى أبناء صالحين، يدعون بالرحمة والمغفرة لوالديهم حين ينقطع عملهم بموتهم.

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.