ليتحرر مجلس التعاون من الوصاية إيّاها

ليتحرر مجلس التعاون من الوصاية إيّاها

06 مارس 2014
+ الخط -

بدا إِعلان السعودية والبحرين والإمارات، في بيان مشترك، سحب سفرائهم من الدوحة (لا سفير للإمارات معيّناً بعد انتهاء مدة سلفه)، وكأَنه موجهٌ الى شعب قطر "الشقيق"، على ما وصفه البيان، والذي تعدّه دول مجلس التعاون، حسب البيان أَيضاً، "جزءاً لا يتجزأ من بقية شعوب المنطقة". ولأَنه بدا كذلك، كان مهماً لو أعلم القطريون، بالضبط، بما لم تلتزم به حكومتهم، وما يمكن أَنْ "يزعزع الثوابت، ويمس أمن دول الخليج واستقرارها"، على ما أوحى البيان.
كان مهماً أن يتخفف "الإعلان الثلاثي" من تحفظه، وأَنْ يبقَّ البحصة، فلا ينفلت الكلام كيفما اتفق، في جرائد وتلفزاتٍ ومواقع إِلكترونية في غير بلد، وفي غير وجهة، مصريةٍ وبيروتيةٍ، عدا عن بعض الخليجية، فتنصرف الاجتهادات إِلى مطارح التحريض والكذب والتشفي والتشاطر، من الصنف إِياه، والذي يحرص على التذكير بقطر دولةً صغيرة، فيما هي، في الوقت نفسه، وراء كل تفجير وتأزمٍ وحادثٍ، وكل نائبةٍ ومؤامرةٍ، في البحرين ومصر والإمارات والسعودية، بل وفي اليمن وليبيا وتونس و... . كان يمكن للبيان أَنْ يأتي على ما يلزم من نقاطٍ تحتاجها بعض الحروف، لئلا يخوض كل ذي غرضٍ، أَو هوىً، في نتفٍ من أَرشيفٍ بعيدٍ أَو قريب، عن علاقاتٍ توترت، مرة أَو مراتٍ، بين الدوحة والرياض، مثلا، أَو بين المنامة والدوحة.
لافتٌ أَنَّ تلك النتف، وبعضها صحيحٌ تماماً، مفيدةٌ في التسلح بالقناعة إِياها، وموجزها أَنَّ سياسات قطر وخياراتها وراءَ كل خرابٍ في الراهن الخليجي، ما يُعمّى على حقيقةٍ أَجدى بإمعان النظر فيها، وأَوْلى باستدعائها من ذينك الأَرشيفيْن، ومنها أَنَّ دول مجلس التعاون لم تعرف يوما وفاقاً تاماً ومكتملاً في كل شأن وموضوع، وأَنَّ تبايناتٍ في مواقف غير قليلة، طوال أَزيد من ثلاثين عاماً مضت، ظهرت مراتٍ ومرات. ولا منقصةَ يُؤاخذُ عليها المجلس في ذلك، أَو على أَي من دوله الست، طالما أَن الاتفاق العام على الإطار الجامع متحقق، لا سيما فيما هو استراتيجي وأَمني. وفي البال، مثلا، أَنَّ أَياً من دول المجلس لم تُعقّب بموقفٍ، بشأن دورٍ حيوي، قامت به (أَو بادرت إليه) مسقط في إِنضاج اتفاقٍ أَمريكي إِيراني في شأن الملف النووي، من دون قرار خليجي مشترك، على الرغم من حساسيةٍ بالغةٍ للموضوع، ومن ارتباط كبير بجوهر الأمن الخليجي المشترك. ونحسبها حكمةً في محلها، أَن الموضوع حُسب في سياق حقِّ سياديٍّ لكل دولةٍ، في شأن علاقاتها الإقليمية والدولية.

لماذا لا يُقال، من دون لعثمةٍ أَو لفٍّ ودوران، إِنَّ نزوع قطر، في نحو ثمانية عشر عاماً مضت، إِلى خياراتٍ سياسيةٍ خاصةٍ بها في علاقاتها واتصالاتها، بعيداً عن المظلة القيادية التي لبستها، ومُنحتها، السعودية عقوداً، هو ما يقف وراء كل هذا التحسب من الدوحة، وكل هذا التحشيد، سياسياً وإعلامياً ضدها. وأَياً كان الرأي في شأن خيارات قطر، واندفاعاتها أَحياناً، أَو الموقف منها، لا يبدو منطقياً أن يكون "الإخوان المسلمون" محبوبين، عندما تستضيف العربية السعودية مشايخهم، فيجدون في جامعات المملكة ومؤسساتها الدعوية والتربوية والتعليمية، بل وفي وظائف رفيعة ومتنوعة، الحنو والرعاية، فيصير على دول الخليج الأخرى أَن تمحض "الإخوان المسلمون" مثل هذا الحدب. وعندما تنعطف المملكة إِلى مقتهم، يصبح مطلوباً أَن تتغير وجهة الخليجيين، فينعتون الإخوان بالتآمر والفاشية. ويشار إِلى هذا الأَمر، وفي البال أَن قطر لم تقترف أَمراً إِداً عندما يسَّرت إقامة إخوانيين مصريين، وغير مصريين، على أَراضيها، (تفعل ذلك منذ عقود كما دول الخليج)، لم تثبت القاهرة، وغيرها، مسؤولية على أَيٍّ منهم عن أَيِّ جريمةٍ أَو فعلةٍ إِرهابية. وما يزيد الأَمر عجباً أَنَّ "الإخوان المسلمون" تنظيم لم تصنعه قطر، ولم يقو بفعل دعمٍ منها له. ببساطةٍ، لأَنَّ تنظيماً ينجح عنه مرشح في انتخابات رئاسة أكبر بلد عربي، ويوافقه الشعب المصري في خمسة استحقاقاتٍ انتخابيةٍ واقتراعية، لا نظنه في حاجةٍ إِلى أَن "يتآمر" مع الدوحة على أحد.

يُؤمل أَن يتجاوز مجلس التعاون الخليجي، والذي طالما تمَّ التغني بثباته وديمومته على الرغم من أعاصير عربيةٍ ثقيلة، الأزمة المستجدّة هذه، ونخمّنُ أَنَّ ذلك لا يكون بحسم الخيار بين محبة "الإخوان المسلمون" أو بغضهم، وحسم الانحياز إِلى، عبد الفتاح السيسي، أَو ،محمد مرسي، بل باحترام كل دولة خيارات شقيقاتها، من دون أَوهام الوصاية المديدة إِياها، ولا نظنُّهم، قادة دول المجلس، يحتاجون نصحاً في هذا من معلقٍ في مقالةٍ سيّارة.         

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.