لصوص الوقت

لصوص الوقت

09 سبتمبر 2022
+ الخط -

ماذا لو جئتَ متأخّراً وكان في ذلك نهاية حياتك؟ باستعمال الزمن محدّدا آنيا لحياتك يتغير فهمك له. لو أسرعتَ ثواني في عبور الشارع، لداستك السيّارة التي أوشكَت على ذلك، وكنتَ لتفقد وقتك كله. أو العكس، لو تأخرتَ ثواني لتنجو، وتعود إلى امتلاك الوقت كلّه مرة أخرى؟

"في الوقت" يجعلنا فيلم الخيال العلمي (In Time)، وهو من كتابة أندرو نيكول وإخراجه. بطلاه مواطنان في مجتمعٍ يتوقّف فيه عمر الناس عند الخامسة والعشرين، يقوم بدوريهما جاستين تمبرليك وأماندا سيفريد. بدلاً من النقود، يأخذ الوقت مكانة العملة الاقتصادية، فيتقاضى العمال ساعاتٍ مقابل عملهم، ويدفعون بالسّاعات من أجل مشترياتهم. مثلما هناك فقراء وأغنياء في عهد العملة النقدية، هناك ما يقابلهم في عهد العملة الزمنية. من تنفد منه السيولة لا يتشرّد أو يجوع، بل يموت. فعلى ذراع كلّ شخص ساعةٌ تعدّ الوقت الذي تبقّى له على قيد الحياة.

من جهةٍ أخرى، تعلّمنا هذه التجربة تقدير اليوم والحاضر، بدل القلق بشأن الغد. تسأل أماندا جاستن:

- لو امتلكتَ الكثير من الوقت، هل كنت لتَهَبه كلّه؟

- لم أَحُز يوماً أكثر من يوم، هل يحتاج الأمر أكثر من ذلك؟

قد لا يكون عدم امتلاك وقتٍ كثير مخيفاً بالشّكل الذي نظنّه. وهو الجانب الذي اشتغل عليه غونزاليس توريس، الفنان الأميركي الذي تقوم أعماله على التّركيب البصري، حين وضع ساعتين متطابقتين على جدار، وسمّى العمل "عاشقان مثاليان". كتب توريس رسالة حب تشرح مفهومه للوقت، من خلال هذا العمل، قبل وفاته بالإيدز عن عمر 25 سنة، قائلاً: "لا تخشَ السّاعات إنّها وقتنا .. نحن غلالُ الوقت، لذلك نُعيد أمانة الحياة إلى صاحبها وهو الوقت. لكنّنا متزامنان من الآن وإلى الأبد".

كل واحد يأخذ باله من ساعاته. لعلّ جملة عادل إمام "كل واحد يأخذ باله من لغاليغو" أجمل ما يمكن أن يصف ثروةً كانت بديهيّة وطوع صاحبها، لكنّها في الحقيقة غير ذلك. من كان يتصوّر أن اللَّغاليغ كائن مهدد؟ "ليس مهمّاً ما إذا كان موجوداً بالفعل، فوجود الأشياء ليست مسألة حسّية دائماً، فقد تحضرُ في الأذهان، ومع ذلك لن يُنكر أحد وجودها، لأنّه لا يمكن إثبات عدم وجودها، مثلما لا يمكن إثبات وجودها". من سيقبل فكرة أنّه يملك ساعات فقط من الحياة؟ رغم أنّ كثيرين منا هم بالفعل كذلك، فمن سيموت بعد ساعاتٍ لا فكرةَ لديه، مثل الذي سيموت بعد خمسين سنة. أحدُهما فقير معدم من الزّمن، وإن كان ثرياً في المال، والآخر غنّي لأنّه يملك الوقت كله. فخمسون سنة ثروة هائلة من الوقت، مشكلتها الوحيدة أنّ صاحبها لا يدرك ذلك، لذا قد تضيع هباء كأنها يوم واحد.

في كلّ الحالات، هذا سحر الحياة، ألّا تعرف رصيدك منها. لكن حين تعرف أنّك قبل أن تولد تُقيّد بعدد محدّد من السّنوات والسّاعات، وفق حالتك المادية، وأن الأثرياء سيعيشون إلى الأبد، إذا امتلكوا ما يكفي من ثروة الوقت، حينها سيتغيّر مفهومك للزّمن كلّياً.

في انتظار وضع سعر للهواء مع التغيّرات المناخية، بدأ منذ زمن مهم، وضعُ سعرٍ للوقت الذي تسرقه أجهزة ذكّية تمتصُّ جلّ وقتنا، مقابل مردود ضعيف جداً. لكن السّؤال الذي لم يُجب عنه الفيلم: من يطبع الوقت؟ بما أنّ المال يُطبع ويُصدَر من البنك المركزي لكل دولة؟ أو بالأحرى من يُوزّع الوقت؟ وماذا لو كان هناك وقتٌ كافٍ للجميع؟ فإذا كان المال يخضع للتوازنات المالية، وقانون العرض والطلب، هل يعقل أن يصبح الوقت، وهو الوحيد الذي ظنت البشريّة أنه في متناول الجميع على قدر المساواة، خاضعاً للتوازنات المالية للدول؟ مع العلم أن البقاء على قيد الحياة، يُقدّر بالمال بالفعل بشكل أو بآخر، فالفقير لن يمتلك المال لمعالجته من أمراض تكاليف علاجها ضخمة، لا يقدر عليها إلّا الأثرياء، فيفقد وقته بسبب ذلك.

بقدر ما في الفيلم من فانتازيا، لكن الكثير من أفكاره قائمة بشكل أو آخر، في واقعنا.

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج