كيف أثّرت حرب غزّة في المشهد السوري؟
مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزّة شهرها الثالث، تستمرّ مراكز البحث والتفكير في المنطقة والعالم في محاولات الإحاطة بتداعيات هذه الحرب وتأثيراتها الإقليمية والدولية. ومن بين القضايا التي تستأثر باهتمام كبير حاليا انعكاسات تلك الحرب على الساحة السورية، بما يشمل المواقف منها، والوضع الميداني على الأرض، وتأثر علاقة مختلف الأطراف الفاعلة على الساحة السورية بها. سياسيا، ورغم تعاطف السوريين، باختلاف مواقفهم السياسية، مع قطاع غزّة، لوحظ أن النظام والمعارضة، على السواء، يتجنّبان تسجيل مواقف واضحة من الحرب. إذ امتنع النظام، خلاف بعض التصريحات التقليدية المساندة للقضية الفلسطينية، عن توفير أي دعم لحركة حماس، رغم المصالحة التي جمعت الطرفين في أثناء زيارة وفد "حماس" إلى دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، نتيجة وساطة من حزب الله وإيران، علمًا أن جزءًا كبيرًا من تسليح "حماس" كان يأتي قبل عام 2011 من سورية. ويعود ذلك على الأرجح إلى عدم قدرة النظام على تجاوز محطّة 2012 عندما قرّرت حماس مساندة المعارضة السورية، بما في ذلك وضع خبراتها في مجال تطوير الأسلحة محلية الصنع وحفر الأنفاق في خدمتها. أما مؤسّسات المعارضة فقد تجنّبت، هي الأخرى، الحديث عن غزّة ما أمكن، خشية أن يؤدّي اتخاذ أي موقف بشأنها إلى تعقيد علاقاتها مع الحلفاء الغربيين، وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة.
على مستوى العمليات العسكرية، ورغم أنه يصعب الحديث عن تغييراتٍ تؤثّر في الوضع الميداني على الأرض، لوحظ منذ 7 أكتوبر تصاعدٌ كبيرٌ في أعمال العنف في مختلف المناطق. تضاعف، مثلا، عدد الهجمات التي تشنّها المليشيات الموالية لإيران على القواعد الأميركية في شمال سورية وشرقها نحو 10 مرّات منذ انتهاء العمل بالهدنة التي تم تكريسها في اتفاق تبادل الرهائن بين واشنطن وطهران في سبتمبر/ أيلول الماضي، وسمح بالإفراج عن ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمّدة في كوريا الجنوبية. في المقابل، ازداد عدد الهجمات الأميركية وحجمها ضد المليشيات الإيرانية في شرق سورية. وفيما تداولت تقارير أخبارا عن نقل مليشيات تابعة لإيران من شرق سورية إلى جنوبها، عزّز الأميركيون وجودهم العسكري في قواعدهم شمال البلاد وشرقها. ورغم أن إسرائيل تستمر منذ عام 2013 في استهداف الأراضي السورية، لوحظت زيادة في وتيرة هجماتها خلال الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك ضرب مطاري دمشق وحلب أكثر من مرّة وإبقاؤهما خارج الخدمة فترات طويلة. وقد حصل ذلك بالتوازي مع تزايد الهجمات المنطلقة من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتلّ خصوصا. لوحظ أيضا أنه، وفيما تتركّز الأنظار على ما يجري في غزّة، ازدادت الهجمات التي يشنّها النظام على مناطق المعارضة في الشمال، كما ازدادت وتيرة الهجمات التي تشنّها تركيا ضد "قوات سوريا الديمقراطية"، مستهدفة قياداتها على وجه الخصوص. مع ذلك، ورغم ارتفاع وتيرة العنف، في كل المناطق، ومن مختلف الأطراف، إلا أن الجميع ظل يلتزم الحذر خشية خروج الأمور عن السيطرة، والدفع باتجاه مواجهة شاملة. ورغم أن تقارير عديدة تفيد بوجود ضغوط إيرانية على النظام باتجاه انخراط أكبر في المعارك مع إسرائيل، أقلّه بمستوى ما يحصل في جنوب لبنان، إلا أن النظام السوري يقاوم هذه الضغوط خشية انتقام إسرائيلي كبير. والواقع أن النظام يحاول على ما يبدو تحقيق نوع من التوازن بين ضغوط إيران نحو دعم "حماس" وتجنّب رد فعل أميركي وإسرائيلي عنيف على ذلك، وسعيه إلى الحفاظ على حالة من الاستقرار الداخلي النسبي، وسط أزمة اقتصادية خانقة، تزداد معها الحاجة إلى مزيد من الدعم الاقتصادي الإيراني.
وفيما تختبر الحرب الإسرائيلية على غزّة قدرة النظام على ضبط حدوده الجنوبية، والسيطرة على المناطق التي يحكمها، حيث تنطلق منها صواريخ باتجاه إسرائيل، إنما ليس بالكثافة المتوقّعة أيضا، تختبر حرب غزّة كذلك التفاهمات الإسرائيلية - الروسية التي جرى التوصل إليها في سبتمبر/ أيلول 2015 وصمدت خلال حرب أوكرانيا. إذ تشير تقديرات إلى توقف التنسيق بين الطرفين في سورية نتيجة الموقف الروسي الناقد للحرب الإسرائيلية على غزّة، والمطالبة بوقفها.