كوارث إعلامية

كوارث إعلامية

12 يونيو 2023
+ الخط -

كي تتمكّن، عزيزي المشاهد، من متابعة إحدى مقابلاتها التلفزيونية المبثوثة في قنوات فضائية كثيرة ذات طابع تجاري بحت، عليك أن تتحسب ممن كان السبب، وأن تقرأ المعوذات، وأن تتحلى بأعلى درجات ضبط النفس، كي لا تتهوّر في لحظة غيظ، فتصوّب "الريموت كونترول" تجاه الشاشة التي تحتل واجهة حجرة جلوسك، فتحطّمها إلى شظايا مضحياً بثمنها غير آسف عليها، في احتجاج مشروع على هذا الهراء الممنهج، وهذا الدرك المنحطّ والمبتذل اليائس الذي وصلت إليه بعض الفضائيات في سياق تهافتها إلى تحقيق أعلى نسب المشاهدات، بغضّ النظر عن الوسيلة التي لا تبرّر الغاية في أي حال، وذلك من خلال ترويج السفاهة والسخافة والسطحية والإسفاف والرداءة. 
يطرحون تلك الإعلامية المخضرمة (إذا جاز التعبير!) باعتبارها وجهاً إعلامياً معروفاً على مستوى الوطن العربي، ويستضيفونها في غير مناسبة، كي تفتي و"تهذرب" من دون ضوابط منطقية أو أخلاقية، في الشؤون السياسية والفنية والاجتماعية، بسبب تدنّي مستوى خطابها، وحجم أكاذيبها المرضية التي يفضحها تناقض أقوالها المتخبّطة، ما ينبئ عن شخصية مضطربة نفسياً، خاوية من المضمون، مدّعية تغطّي مستوى ثقافتها المتواضع، والجلي بنشر الفضائح والإشاعات، وادّعاء الصداقة الحميمة مع الشخصيات الشهيرة من سياسيين وفنانين، واعتماد أسلوب الردح والسبّ والافتراء، والخوض في الأعراض، وانتهاك الخصوصية، وتشويه السمعة، ما يجعلها ضيفة دائمة على محاكم بلادها بتهم السبّ والقذف والتشهير، مستفزّة إلى حد يحول من دون أن تشعر بالشفقة عليها إذا كنت صاحب قلب رقيق، رغم يقينك بأنك بصدد كائن مختلّ عقلياً ونفسياً. لم تكتف الإعلامية اللوذعية بالسمعة غير المشرّفة التي حقّقتها عبر السنين، بل كشفت، في أكثر من مناسبة، عن عنصرية بغيضة طاولت لاجئين سوريين هجروا من بلادهم، وغادروا بيوتهم مرغمين، وقد لاذوا ببلادها من باب الإكراه والجبر، وليس رغبة في "الكزدرة على الكورنيش في باريس الشرق كي يتقنوا كلمات فرنسية بونجور وبنسوار ويتعرفون بالمرّة على الشوكولامو"! 
وعلى صعيد متصل لا يقلّ استفزازاً، تطل علينا عبر محطّة شهيرة ما تسمّى زوراً وبهتاناً واستخفافاً بالإعلامية، شابة معدومة الموهبة باهتة الحضور، نرجسية إلى أبعد حد، تصف نفسها بكل ثقة (وحده الله يعلم مبعثها) بأنها صاحبة كاريزما طاغية تمشي على الأرض، ولا تتوقف في كل حلقة عن التغزّل بنفسها، والتأكيد على بياض بشرتها، وزرقة عدساتها، ومدى رقتها وأنوثتها (أي والله). ومع ذلك تتاح لها المنابر، كي توجّه الإهانة تلو الأخرى للنساء العربيات، في خطاب دوني ساذج متخلّف، من شأنه تحويل المرأة من سيدة حرّة عزيزة متحقّقة إلى جارية مستلبة، همّها الأوحد نيل رضا الرجل على حساب كرامتها وعزّة نفسها، ما يجعل من تسمّى الإعلامية في مرمى السخرية، ويعرّضها بشكل دائم لسيل من الشتائم، وهذا ما يرضي غرورها على ما يبدو، ويوهمها بتحقيق المجد والشهرة، حين تتملق الرجل في حلقاتها المثيرة للسخط والتقزّز والغثيان، وتقدّم نصائح في العلاقات الزوجية، باعتبارها خبيرة تنمية بشرية لا يُشقّ لها غبار (ما شاء الله).
نموذج ثالث للإعلام الأصفر البائس الطاغي على فضاءاتنا لمقدّم برنامج حواري يكشف عن منطق ذكوري متخلّف، يستضيف فيه الفنانات على وجه الخصوص، ويقود الحوارات الهابطة أصلاً إلى مستوى رقيع لا يخلو من إيحاءات جنسية بذيئة وغير لائقة، ويرتكب الإساءة والتشهير بحق ضيفاته اللواتي لا يمكن إعفاؤهن، بطبيعة الحال، من مسؤولية المشاركة في تلك المهازل. 
في المحصلة، وبغية التخلص من تلك الظواهر المؤسفة التي تحقّق ملايين المشاهدات، وتساهم في تعميم الرداءة وإفساد الذائقة، لا بد أن تعيد هذه الفضائيات العربية حساباتها، وتراجع أولوياتها، وتضطلع بمسؤوليتها الأخلاقية تجاه الأجيال، وتكفّ عن الاستخفاف بذكاء المتلقي الجاد المثقف الملتزم، لأنه أكثر عمقاً ورقياً مما قد يتوهّمون.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.