قمة الناتو والحرب الروسية

قمة الناتو والحرب الروسية

03 يوليو 2022
+ الخط -

أظهر زعماء حلف الناتو الذين عقدوا مؤتمر قمة في مدريد تضامنا كثيرا مع أوكرانيا، وحرصوا، في بيانهم الختامي، على أن يُبدوا وحدة وتكتلا صلبا في مواجهة روسيا التي حمّلها البيان مسؤولية الحرب، ودعاها إلى وقفها فورا، وأظهر اندفاعا نحو أوكرانيا وتعهّد بتقديم كل المساعدات لها للوقوف في وجه الهجوم الروسي، واستمرار الدعم إلى مراحل ما بعد الحرب، بمساعدتها في إعادة الإعمار على المدى الطويل، وكأن من نسج البيان أراد أن يخفي أي تباينٍ من أعضاء الحلف في الموقف من الحرب الروسية على أوكرانيا، وكان حريصا على تأكيد أن المجموعة العسكرية الغربية تؤيد، بلا تحفّظ، موقف أوكرانيا في وجه المعتدي، وتمدّد الموقف، ليشمل جانب الصين أيضا، باعتبارها تقف خلف روسيا في حربها، ووضعها بمثابة المهدِّد للأمن والاستقرار ولمصالح دول "الناتو"، بعد أن اعتبر روسيا هي التهديد الأول والمباشر. يمكن أن يزيد مثل هذا البيان من التوتر، ويجعل الأطراف تتمسّك بموقفها أكثر وخصوصا روسيا والصين، وهما تدركان أن انفراد الحلف بكل دولةٍ منهما على حدة يمكن أن يوقعهما في الخسارة. بعيدا عن البيان الختامي ذي اللهجة المتشدّدة، يمكن أن نلمس من خلال قراءة مواقف الدول الأعضاء بعض التباين في ردود الفعل تجاه الموقف من روسيا، وكذلك من الحرب القائمة في أوكرانيا.

عانت الدول التي كانت تسمّى الكتلة الشرقية من الهيمنة الروسية، وخصوصا بولندا، كما وقعت دول البلطيق الثلاث تحت السيطرة الشيوعية مباشرة في ما سمّي الاتحاد السوفييتي، وهذه الدول التي تستحضر دروس التاريخ تحمل موقفا متشدّدا من روسيا، ويضاف لها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. من الجانب الفعلي لدى دول البلطيق وبولونيا ما يبرّر تخوفها من تصريحات فلاديمير بوتين الذي ما زال يطالب بمناطق تابعة لإستونيا، ويفضّلون رؤية روسيا ضعيفة ومن دون مخالب، ويمكن أن تتبنّى هذا الموقف أو موقفا قريبا منه كل المنظمة التي كانت تسمّى شرقية مع بعض الشواذ، كروسيا البيضاء التي ما زالت تعزف ضمن الجوقة الروسية أو هنغاريا التي ترتبط اقتصاديا بشكل وثيق مع روسيا. وجانب المعسكر الشرقي المتشدّد، هناك معسكر غربي قد يكون أكثر تسامحا، رغم أن أعضاءه جميعا قد وقعوا على بيان قمة "الناتو" المدريدية، فكل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ركّزوا أكثر على وقف لإطلاق النار أو الشروع في محادثاتٍ جادّة تفضي إلى وقف النار ثم محادثات أخرى تنظم الوضع النهائي، وهذه الدول لا تشعر بخطر روسي محدق، ولا توجد حدود مشتركة بينها وبين بوتين، وهي تستورد منه جزءا من وقودها وغازها وقمحها، وتبدي ميلا إلى الحفاظ على الشعرة الدقيقة بين الطرفين، وتبني أملا على نجاح مسعاها، ولربما كانت مستعدّة لأن تغضّ الطرف عن احتلال شرق أوكرانيا في سبيل استمرار تدفق الطاقة.

من غير المؤكّد معرفة كيف ستتطوّر المواقف وبأي اتجاه ستنحرف، فلدى دول الغرب جمهور انتخابي قد يتمرّد إذا عانى أكثر من ضعف توريد الطاقة، وحتى في الولايات المتحدة فإن التورّط كثيرا في الشؤون الأوروبية لا يعجب أميركيين يحاولون التركيز أكثر على الداخل، وهم الأميركيون ذاتهم الذين راقبوا هتلر في الحرب العالمية الثانية يجتاح باريس ويقصف لندن ليلا ونهارا، ولم يتحرّكوا وحافظوا على "حياد" ما، لولا هجمات بيرل هاربور حيث قضى آلاف القتلى منهم، ما أجبر القيادة الأميركية على التحرّك، ربما ينتظر بوتين القادر بوصفه ديكتاتورا على ضبط شارعه، أن يرى شوارع أوروبية، وهي ملتهبة ما قد يخفّف المواقف الرسمية ضدّه، وقد يراهن على الوقت الذي يفيده في هذا السياق، ولكن الإفراط في خسارة الوقت قد يستنزفه هو الآخر، عندما يَظهر الأثر المدمّر للعقوبات، وحينها سيكون للمعادلة حساب من نوع مختلف.