في رحيلِ مؤرّخة إسبانية

في رحيلِ مؤرّخة إسبانية

07 يوليو 2022

المؤرّخة ماريا روسا دي مادارياغا .. إرث كبير في مبحث العلاقات الإسبانية المغربية

+ الخط -

رحلت الأسبوع الماضي، في مدريد، المؤرخةُ والباحثة الإسبانية، ماريا روسا دي مادارْياغـا، عن عمر ناهز 85 عاماً. وبغيابها، تفقد الساحة الثقافية الإسبانية أحد أكثر الأصوات انشغالاً بالتاريخ المشترك بين إسبانيا والمغرب ومنعرجاته التي يشتبك فيها التاريخ بالجغرافيا. وتعدّ دي مادارياغـا من أكثر الباحثين الإسبان معرفة بالعلاقات المغربية الإسبانية وتشعباتها التاريخية والسياسية والثقافية. ولدت في مدريد (1937). ودرَست في إسبانيا وهولندا وإنكلترا وفرنسا، ما أتاح لها امتلاك عُدّة معرفية وأكاديمية متنوعة المشارب. كما حصلت على شهادة عليا في اللغة والحضارة العربيتين من معهد اللغات والحضارات الشرقية في باريس. وعملت مترجمة في اليونسكو سنوات، وأشرفت من موقعها، في المنظمة الدولية، على مشاريع ثقافية بارزة، منها مشروع ''الوطن العربي وأميركا اللاتينية'' الذي صدر ضمن منشورات اليونسكو، قبل أن تصدر ترجمته العربية، التي أنجزها المؤرّخ المغربي عبد الواحد أكْمير، في بيروت عن مركز دراسات الوحدة العربية (2005).

حظيت منطقة الريف في المغرب باهتمام لافت من المؤرّخة الإسبانية خلال فترة الحماية (1912-1956). وفي الوسع القول إنّ كتاباتها أضحت مرجعاً رئيساً في دراسة بنية المجتمع الريفي خلال النصف الأول من القرن المنصرم، فضلاً عن أهميتها في إعادة قراءة بعض المحطات التاريخية المفصلية وتداعياتها، وبالأخص معركة أنوال (1921) والارتجاج الذي أحدثته داخل المجتمع الإسباني، وذيولهِا التي ألقت بظلالها على المشهدين، السياسي والاجتماعي، في إسبانيا خلال الثلث الأول من القرن العشرين. وفي هذا السياق، لم تتردّد دي مادارياغـا في إعادة قراءة تلك المرحلة المؤلمة في تاريخ بلادها، بما يساعد، من وجهة نظرها، على بناء الذاكرة الجماعية الإسبانية وترميم ثقوبها من جهة، وإعادة صياغة العلاقات المغربية الإسبانية على أسس الاحترام المتبادل وحسن الجوار والتسامح من جهة أخرى. وقد أكّدت مراراً على أنّ تعزيز هذه العلاقات يتطلب معرفةَ البلدين بعضهما ببعض، وتخلُّصهما من الأحكام المسبقة التي تعوق وضعها على السكّة الصحيحة.

لكن، على الرغم من طروحاتها التقدّمية في أكثر من شأن يخص المغرب في علاقته بجارته الشمالية، وموقفها المؤيد له إبّان أزمة جزيرة ليلى (2002)، وتقديرها الكبير قائد ثورة الريف عبد الكريم الخطابي وكفاحه من أجل الاستقلال، على الرغم من ذلك كله، لم تتخطَّ دي مادارياغا الخطاب الكولونيالي الإسباني التقليدي، وتحديداً حول مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية الخاضعة للاحتلال الإسباني، إذ لم تكن ترى في احتلال المدينتين ''مشكلة خطيرة، فلطالما كانتا إسبانيتين أكثر من خمسة قرون'' وإن كانت، بين حين وآخر، تدعو إلى التفكير في هذه المشكلة، لكن من دون تحديد أفق واضح لهذا التفكير ومآلاته السياسية. أكثر من ذلك، لم تحِدْ عن العناوين الكبرى للسياسة الخارجية الإسبانية إزاء المغرب في العقدين الأخيرين، إذ كانت تعتبر المغرب أفضل من يتصدّى لخطر التنظيمات الجهادية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، وفي وسعه، أيضا، أن يلعب دوراً هاماً في ملفّ الهجرة السرّية بما يمثله من أولوية استراتيجية للإسبان، ما يعني، ضمناً، وضعه في خانة الدركيّ الذي يحمي حدود إسبانيا وأوروبا من تدفق المهاجرين.

تركت ماريا روسا دي مادارياغا إرثاً فكرياً كبيراً في ما يتعلق بمبحث العلاقات الإسبانية المغربية. وتكفي الإشارة إلى أعمال مثل ''إسبانيا والريف: أحداث تاريخ شبه منسي''، ''مغاربة فرانكو''، ''في وادي الذئب: حروب المغرب''، ''عبد الكريم الخطابي والكفاح من أجل الاستقلال''، ''المغرب، هذا المجهول الكبير: تاريخ موجز للحماية الإسبانية'' وغيرها للوقوف على أهمية هذا الإرث وما يطرحه من أسئلة وقضايا، تخصّ هذه العلاقات في تقاطعها مع عوامل التاريخ والجغرافيا والأمن والمصالح. لكنّه إرثٌ يظلّ بحاجةٍ إلى قراءة أكثر نقدية وعمقاً، لا سيما في ما يتعلق بمستقبل هذه العلاقات في ضوء قضيتي الصحراء ومدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية التي تستمر إسبانيا في احتلالها.