غادة والي .. ومن غيرها؟

غادة والي .. ومن غيرها؟

12 يوليو 2022

(غادة والي/ المصدر: صفحة غادة والي على انستغرام)

+ الخط -

اتّهم الرسام الروسي، جورجي كرواسوف، مصمّمة غرافيك مصرية بسرقة لوحات له، واستخدامها في محطة مترو كلية البنات في القاهرة. المصممة هي غادة والي، من أبرز وجوه النظام المصري الشبابية.. صورها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتكريمها، وظهورها في أغلب القنوات، التي توجّه الرأي العام المصري، بمعرفة الدولة وإشرافها، وكلامها، الدائم، عن نجاحاتها، وكونها تعمل بقوة، ولا تحصل على إجازة، وأنها كانت معيدةً في مصر، قبل أن تسافر إلى إيطاليا وتدرس "الفن" هناك، وعبارتها التي لا تخلو من مفردات إنكليزية، أو بالأحرى حديثها بالإنكليزية مع فواصل من العامية المصرية، ذلك كله صنع من غادة "نموذجا" للنجاح، و"معيارا" للتصدّر، يقدّمه النظام المصري وإعلامه "الوطني".
لم تسرق غادة فكرة ثم أعادت معالجتها، وتحويرها، كما يحدُث أحيانا، ويمرّ، لكنها اعتمدت آلية "الشفّ"، مع تغييراتٍ كوميديةٍ تكشف عن بؤس الخيال، وضعف الموهبة، وهو ما مثّل فضيحة بجلاجل، لم يستطع إعلام النظام تبريرها أو تمريرها، كعادته، أو حتى تجاهلها، فما كان منه إلا أن واجهها، وهاجم الإعلاميون الوطنيون صديقَتهم وربيبتَهم، السابقة، وطالبوا بمقاضاتها ومقاضاة شركتها، وبنزع الرسومات المسروقة، والتي دفعت الدولة ثمنها، لغادة، ملايين الجنيهات. والسؤال: ما معايير تقييم الدولة كوادرها، ما معايير التصعيد، التصدير، الدعم؟ من أين يأتي أو تأتي أي غادة؟ وكيف تصل؟ هل هي الخبرة والكفاءة والقيمة الحقيقية أم الولاء ولا شيء آخر؟
في زيارته مصر، مارس/ آذار 1967، يسأل الفيلسوف الفرنسي، جان بول سارتر، الرئيس جمال عبد الناصر عن القضية التي تشغله أكثر من غيرها؟ فيجيب: "إن العالم كله يحاول إخراج الشباب من السياسة، ويحاولون إلهاءهم بأنواع من الرقص الجديد، ويحوّلون اهتمامهم إلى الرياضة، وأنا أرى ذلك خطأ كبيرا، القضية التي أتمنّى، لو استطعت، أن أركز عليها، أن يشعر الشباب أن السياسة هي عملية صنع مستقبله، وأن اهتمامه بها ومشاركته فيها هي أكبر ضمانات المستقبل. وما أراه في الاتحاد السوفييتي، وما أراه في غيره، يجعلني أقلق الآن، لأن الأجيال القديمة تحجُب أجيالا جديدة عن المشاركة، وهذه مشكلة، فإذا حجبنا الشباب عن العمل السياسي، توقّفت حيوية الأنظمة، وازداد الاعتماد على عناصر القوة في المجتمع، مثل الجيش مثلا، وهذه ليست وصفةً مضمونة لحماية التطور".
يحوّل عبد الناصر فكرته إلى منظمةٍ للشباب، ويسند إدارتها إلى واحدٍ من أهم قيادات ثورة يوليو، هو زكريا محيي الدين، ويوفّر لها، ما استطاع، كل ما يضمن نجاحها في إعداد جيلٍ جديد من القادة، إلا أن التجربة، في الأخير، تفشل. يتحدّث عبد الغفار شكر في كتابه الهام: "منظمة الشباب الاشتراكي .. تجربة مصرية في إعداد القيادات" عن معالم التجربة، وتفاصيلها، ويوثّق شهادات عدد من أبناء التجربة ومراقبيها. وخلاصة الآراء أن هزيمة يونيو 1967 قضت على التجربة، ودفعت أهم كوادرها إلى الاستقالة، تحت تأثير الصدمة في النظام الثوري الذي ظنوه، وقتها، منيعا، ولا سبيل إلى هزيمته، فإذا به يسقط، أمام أعينهم، سقوطا مريعا. ويلخص أحمد عبد الله رزه شهادته عن أسباب الفشل، فيقول: "بصراحة، لم يكن الهدف إعداد القيادات الشابّة بالمعنى الواسع، وإنما كان إعداد الكوادر المدنية الموالية للنظام العسكري، فكان إطار التكوين نفسه شبه عسكري. وكانت النتيجة الغالبة كوادر موالية أو مسايرة، بفكرٍ شبه مغلق، لا صلة له بالفعل الديمقراطي، أو الرغبة في بناء دولة ومجتمع ديمقراطيين يعمدان إلى مشاركة الوطنيين، ومبادرتهم الحرّة غير الخائفة من السلطات الأمنية. نعم، أوجد النظام الناصري كوادر لنفسه، لكنه أخرج الشعب من المعادلة إلا كمؤيد ومصفق للسياسات الرسمية، فكانت النتيجة نكسة 1967 وما بعدها حتى اليوم". لم تكف نيات عبد الناصر الحسنة، ورؤيته السياسية التي أثبت التاريخ صحتها، عن ضرورة إعداد الشباب، وإشراكهم الفعال. تغلبت "المنظومة"، وعبد الناصر جزء منها، من دون شكّ، على ذلك كله، وأحالته إلى رماد، أو فضيحةٍ مخزيةٍ، مثل رسومات غادة والي.

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان