عندما يقرّر الآخرون نيابة عن العرب

عندما يقرّر الآخرون نيابة عن العرب

22 يوليو 2022
+ الخط -

تحرّكات ديبلوماسية كثيرة شهدها المشرق العربي الأسبوع الماضي والأسبوع الجاري، بهدف فرض صيغ جديدة على المنطقة التي يشار إليها بـ"الشرق الأوسط". اللافت هنا، أن العرب، أصحاب الشأن والدار، منفعلون بالمشاريع الجديدة أكثر منهم فاعلين فيها، وهم لا يجتمعون ولا يتقدّمون خطوة إلى الأمام إلا إذا أرغمهم على ذلك فاعل أجنبي صاحب سطوة، شديد الوطأة، قويَّ البطش. وهكذا، فإن مصائرنا يرسمها غيرنا، ومصالحنا تتبدّد أمام مصالحهم، وسيادتنا بلا معنى، وثرواتنا تفرض علينا كيفية توظيفها، وكذلك اقتسامها مع غير أهلها. ورغم ذلك، ما نزلنا نشهد العنتريات البينية، والاستنزاف الذاتي، والخضوع أمام الأجنبي، رغبة أو رهبة. المهم ألا يُهان أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي والسيادة بالتواضع لشعوبهم واحترام إرادتهم ومصالحهم، ولا يهم بعد ذلك أن يهينهم الخواجات والغرباء.

الأسبوع الماضي حلَّ الرئيس الأميركي، جو بايدن، ضيفاً ثقيلاً على المنطقة. ذهب إلى إسرائيل مقدّماً دعماً غير محدود وغير مشروط، وطالباً الرضا والقبول. قال، إن 3.8 مليارات دولار من الدعم العسكري الأميركي السنوي لإسرائيل لا تكفي، وبالتالي هي ليست سقفاً عصياً على الاختراق والتجاوز. أيضاً، وجرياً على عادة من سبقوه من الرؤساء الأميركيين، تعهد بضمان أن تبقى إسرائيل متفوَقة عسكرياً، كمّاً ونوعاً، على خصومها مجتمعين في المنطقة. ليس هذا فحسب، بل جاء بايدن حاملاً مشروع "دمج" الدولة العبرية في هيكلٍ أمني إقليمي، تكون هي مركزه، للتصدّي لإيران ووكلائها في المنطقة. المفارقة أن بعض العرب كانوا استبقوا وصوله وانخرطوا فعلاً في هياكل وأطر أمنية معها، على حساب الأمن القومي الجَمَعِيِّ العربي. أما الفلسطينيون، فكان مصير حقوقهم التجاهل، فالسلطة التي تحكمهم مندمجة أصلاً في منظومة الاحتلال الإسرائيلي، لا تملك فكاكاً منها، كما أن لسان حال كثير من العرب يقول إننا لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، ولن نرهن مصالح أنظمتنا لحقوقهم.

الأجندة التي جاء بها بايدن إلى مدينة جدّة السعودية مرتبطة، أولاً وأخيراً، بمصالح الولايات المتحدة لا العرب

في ما يتعلق بالأجندة التي جاء بها بايدن إلى مدينة جدّة السعودية، فقد كانت مرتبطة، أولاً وأخيراً، بمصالح الولايات المتحدة لا العرب، اللهم إلا بالقدر الذي تخدم به المصالح الأميركية. قال بايدن، وبكل وضوح، إن واشنطن تريد التصدّي للنفوذ المتصاعد للصين وروسيا وإيران في المنطقة، وعلى العرب أن يكونوا في معسكر بلاده. طبعاً، لا تسأل هنا عن معسكر عربيٍّ خالص، فذلك مجرّد هراء وَوَهْمٍ في حسابات حكامنا. أيضا، طلب بايدن ضخّ مزيد من النفط والغاز لتعويض الروسي منهما جرّاء العقوبات الغربية، ولتخفيض أسعارهما. كما وضع على الطاولة شروطاً على بعض الدول الخليجية الغنية للاستثمار في قطاعات تكنولوجية واقتصادية، وكذلك في البنى التحتية وشبكات الاتصال من الجيلين الخامس والسادس، بهدف التفوّق على المشاريع الصينية. الأكثر مرارة أنه حتى في ما يتعلق بالأمور التي نحن أوْلى بها وفيها مصلحة لنا، فإن حكامنا لا يتحرّكون من أجلها إلا مُرغمين، مثل تعهدهم بتقديم عشرة مليارات دولار لتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة، أو ربط العراق بشبكة الكهرباء الخليجية. للأسف، كانت تلك طلبات أميركية.

لم يكد بايدن يغادر المنطقة حتى كان زعماء إيران وتركيا وروسيا يلتقون في قمة في طهران للمساومة على مستقبل سورية وتوزيع حصص النفوذ فيها

لم يكد بايدن يغادر المنطقة حتى كان زعماء إيران وتركيا وروسيا يلتقون، هذا الأسبوع، في قمة في طهران للمساومة على مستقبل سورية وتوزيع حصص النفوذ فيها. ورغم جعجعة نظام الأسد عن رفضه "سياسات التتريك والتدخلات التركية في شؤون سورية"، ومطالبته "جميع القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي الخروج من الأراضي السورية"، وهو في ذلك يشير إلى تركيا والولايات المتحدة تحديداً، إلا أنه يعد الوجود الروسي والإيراني ضمانة لـ"وحدة سورية وسيادتها واستقلالها"! طبعاً، هذه نكتة سمجة، ويكفي هنا التذكير أن "الحليفين" الروسي والإيراني لا يرون حاجة لدعوة النظام السوري للمشاركة في المباحثات بشأن مستقبله ووحدة وسلامة أراضي الدولة التي يحكمها بالحديد والنار.

الحديث عن مخازي الواقع العربي كثيرة، ويصعب حصرها. في هذا السياق، ثمَّة سؤال عن البديل للارتهان للأجنبي والخضوع له. الإجابة معروفة، وجزء منها تأسيس الحكم على شرعياتٍ شعبية، واحترام سيادة القرار الوطني، والتوجّه نحو صيغة التكامل، إن لم تكن شروط الوحدة والاندماج قائمة اليوم، وهذا يعزّز موقف رفض التدخلات الأجنبية. المشكلة أن تكرار الإجابة البديهية يجعل منها روتيناً بلا معنى، تماماً كما هي الإجابة هنا. ولذلك سيبقى الآخرون يقرّرون نيابة عنا.