عجائب سعودية

عجائب سعودية

07 يونيو 2018

ماكرون مستقبلا محمد بن سلمان في باريس (10/4/2018/Getty)

+ الخط -
حقا، ما الذي يدفع ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، إلى الطلب من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن يتدخل لدى الروس، ليحول دون إتمام صفقة تزوّد موسكو فيها الدوحة بمنظومة صواريخ دفاعية مضادّة للطائرات؟ الخطوط بين الرياض وموسكو سالكة، ولم نطالع أن شائبةً علقت بها العلاقاتُ بين العاصمتين، فما الذي يدعو الملك إلى عدم مخاطبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في هذا الشأن، بائع تلك الصواريخ، مباشرة، وهما اللذان التقيا في مباحثاتٍ مهمةٍ، في أثناء "زيارةٍ تاريخية" إلى موسكو، أدّاها العاهل السعودي، (أول زيارة من نوعها)، والتي من المفارقة اتُّفق فيها على شراء الرياض صواريخ دفاعيةً روسيةً من الطراز نفسه الذي استكثرت أن تحوزه قطر (صواريخ إس 400)!؟ أيٌّ قلقٍ عميقٍ هذا الذي أصاب جوانح الملك من هذه الصفقة، فيجعله يلوّح بعملٍ عسكري ضد دولة قطر، إذا ما تم فعلا نصب منظومة الصواريخ الدفاعية في الأراضي القطرية؟ ما هي بالضبط تلك العواقب التي جاءت عليها رسالة الملك إلى ماكرون على "أمن المجال السعودي"؟
لم تكن صحيفة لوموند الفرنسية تذيع حدّوتة مسليةً، عندما نشرت تقرير مراسلها في بيروت عن تلك الرسالة من الديوان الملكي السعودي في الرياض إلى قصر الإليزيه في باريس. وأنْ لا تنفي الرئاسة الفرنسية مضمون التقرير، فذلك تأكيدٌ منها على تلقّي ماكرون الرسالة. وجاءت إجابة وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على سؤالٍ في شأن هذه القصة، بديهيةً تماما، إذ قال إن شراء بلاده أيَّ احتياجاتٍ عسكريةٍ قرارٌ سياديٌّ يخصّها وحدها، ولا علاقة به للسعودية ولا غيرها. وإلى أرطال الدهشة الغزيرة التي يشيعها أمر الرسالة تلك، وما حفلت به قصتها ومضمونها من عجائب وغرائب، فإن مراقب الأداء السعودي عموما، يستغرب الخفّة الكثيرة فيه، عندما يجنح إلى إشهار توسّل عملٍ عسكريٍّ محتملٍ ضد دولة قطر، ويُخبر بذلك رئيس فرنسا، دون غيره، وهو الذي استشعر خفّةً ظاهرةً في هذا الأداء نفسه، في واقعة احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، في الرياض، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقد بقّ البحصة بنفسه، وقال علنا ما يؤشّر إلى اندهاشه من هذا السلوك، لمّا صرح، أياما على الأرجح بعد تلقيه الرسالة التي تطلب تدخلّه لدى بوتين، إن ذلك الاحتجاز كان يمكن أن يشعل حربا في لبنان.
الظاهر أن مستشارين، من طينة ثامر السبهان ربما، يحيطون بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يُزجون له هذه الأفكار (الخلاقة؟)، ويدفعونه إلى أنْ يوقّع والده رسالةً من اللون الذي لا يضرب واحدُنا بالرمل لو خمّن أن ماكرون بوغت بشحّ الدبلوماسية والسياسة فيها. هؤلاء المستشارون هم أنفسهم الذين يأخذون العربية السعودية إلى تدهورٍ فظيعٍ في سمعتها وصورتها، كما تفعل وهي تستمر في خوض حربٍ لا أفق لها، وذات أكلافٍ إنسانيةٍ باهظةٍ، في اليمن. وهي تستسلم أمام النزوعات الإمبراطورية لدى ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، كما تتبدّى في جنوب اليمن وموانئه وجزره. وكما تفعل أيضا، وهي تبتدع الشروط تلو الأخرى على القطريين لأداء العمرة وفريضة الحج، فتُلزمهم بالسفر جوا إلى مطارٍ وحيد، وعلى غير شركة طيران بلدهم. وفي هذا السلوك ما فيه من "مرجلةٍ" لا تليق بدولةٍ كبرى، أنعم ربّ العزة عليها بأن تكون المشاعر المقدسّة في أراضيها، ووهبها موقعا خاصا في محيط أمتها، وأمدّها بإمكاناتٍ تتيح لها أن تتولّى دور الصدارة في الدفاع عن قضايا الشعوب العربية ومصائرها.
يبدّد مسؤولون سعوديون، مقيمون في مطبخ القرار في الرياض، هذه الإمكانات، ويأخذون بلدهم إلى مطارح صغيرة، تُؤثر فيها مزاولة السياسة بمنطق المناكفات والمكايدات، والإنكار والأوهام، وهو ما لا يرضاه عربيٌّ لأي بلدٍ عربي، سيما للمملكة السعودية، وإن ارتضى ناسٌ حاكمون فيها لملكها أن يبعث إلى رئيس فرنسا رسالةً مثقلةً بالغريب والمدهش والعجيب.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.