سورية ومخاطر انتقال السلطة في أميركا

سورية ومخاطر انتقال السلطة في أميركا

09 نوفمبر 2020
+ الخط -

انتهت الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبعيداً عما سيجري داخل الولايات المتحدة من محاكمات ومماحكات، فإن العالم، كله، يقف على أعتاب مرحلة جديدة، انتظرها بعضهم بترقبٍ واهتمام، فيما يخاف آخرون من تداعياتها، لتأثيرها على مواقفهم ومواقعهم، وخصوصا الذين ارتبطوا باستثماراتٍ سياسيةٍ وعسكرية، طويلة المدى، مع إدارة الرئيس دونالد ترامب.
أثبتت الانتخابات الأميركية، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الولايات المتحدة ما زالت محرّك العالم، وأهم وحداته السياسية، وعلى الرغم مما يقال عن تراجع التأثير الأميركي، وانحدار القوة الأميركية، إلا أن ذلك كله يبدو مجرد كلام نظري، بدليل أن العالم كله، ومنذ بداية الانتخابات الأميركية، قبل شهور طويلة من هذا الوقت، قد أجل برامجه ومشاريع أعماله، حتى معرفة هوية الفائز في الانتخابات، للبناء على الشيء مقتضاه، فلكل رئيس حسابات خاصة وتكتيكات مختلفة، حسب أولويات هذا الرئيس وطبيعة اهتماماته.
تختلف الرئاسة القادمة عن جميع الرئاسات الأميركية السابقة، على الأقل في العقود الأخيرة، بالنظر لما تواجهه من تحديات جيواستراتيجية في وجه أميركا، نتيجة صعود قوى دولية وإقليمية، باتت ترى أنه يحقّ لها الاستئثار بحصص من الثروة العالمية، توازي تقديرها لقوتها، وتقديرها لتراجع القوة الأولى في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، وقد أحدث هذا الوضع نوعاً من الفوضى في النظام الدولي وخللاً في مساراته، ما بات يستلزم إعادة هيكلته، سواء لجهة تكريس السيطرة الأميركية أو إعادة توزيع القوّة بين أطرافه، القديمة والناشئة.
لكن، وبعيداً عن توجهات السياسة الأميركية، وأنماط التعامل التي ستتخذها تجاه القضايا التي تشكّل محاور السياسة الدولية، والقوى الحليفة والمنافسة لأميركا، تعتبر المرحلة الانتقالية، مرحلة تسليم وتسلم السلطة من إدارة إلى أخرى، مرحلة خطرة بكل معنى الكلمة، حيث تصبح اميركا، في هذه المرحلة، مثل "البطّة العرجاء"، وتكون الرئاسة فيها أشبه بحكومة تصريف أعمال، لا يحقّ لها اتخاذ قرارات مهمة، وجل ما تستطيع فعله هو تسيير الشؤون الأميركية الداخلية.

الولايات المتحدة ما زالت محرّك العالم، وأهم وحداته السياسية، على الرغم مما يقال عن تراجع التأثير الأميركي، وانحدار القوة الأميركية

تتأتى خطورة هذه المرحلة من إدراك اللاعبين الدوليين والإقليميين حدود القوة الأميركية وماهيتها في هذه المرحلة، ويحكم سلوكهم فيها، إما رغبة هذه الأطراف بتثبيت المكاسب التي تم تحقيقها في عهد إدارة ترامب، وتحويلها إلى وقائع تجاوزها الزمن، ولم يعد بقدرة الإدارة الجديدة تغييرها، أو رغبة بعض الأطراف فرض وقائع جديدة ، كان من الصعب فرضها في مرحلة حكم إدارة ترامب، وترى أن المرحلة الانتقالية تمثل فرصة لتحقيق أهدافها تلك.
تصنف منطقة الشرق الأوسط من بين أكثر المناطق التي يرجح أن تشهد متغيرات بقدر ما في المرحلة الانتقالية للحكم في الولايات المتحدة الأميركية، ذلك من كونها الملعب الأساسي للاعبين لهما حساباتهما الخاصة، وإن بطريقة مختلفة، بالنسبة للقادم الجديد للبيت الأبيض، وهما روسيا وإيران.
ولروسيا تجربة مهمة في هذا المجال، فقد استثمرت مرحلة انتقال الحكم من الديمقراطيين إلى الجمهوريين في الانتخابات الماضية، لتحقيق أكبر اختراق لها في سورية، والذي تمثل في السيطرة على حلب التي تؤكد جميع القراءات الخاصة بالملف السوري أن سقوطها شكّل بداية انحسار المعارضة السورية عسكريا وسياسياً، نظراً إلى أهميتها الإستراتيجية والرمزية.

مرحلة تسليم وتسلم السلطة من إدارة إلى أخرى، مرحلة خطرة بكل معنى الكلمة، حيث تصبح اميركا، في هذه المرحلة، مثل "البطة العرجاء"

تعتقد روسيا أن إدارة جو بايدن لن تعترف لها بالإنجاز السوري، فضلاً عن أن العلاقة بين الطرفين ستكون معقّدة وصعبة، وسيخوضان مفاوضات شاقة حول ملفاتٍ عديدة. لذا فإن الفعالية الروسية ستتركز في المرحلة المقبلة، وإلى حين تسلم بايدن السلطة واستقرار الديمقراطيين في الحكم، على تثبيت أقدام روسيا في الملفات المهمة، والتي تأتي سورية في مقدمتها، لجعل أي تحرك أميركي لاحق غير ذي فائدة، ولإقناع إدارة بايدن بأن الوقت فاتها، وأن أي محاولة لتغيير الأوضاع الحالية في سورية ليست سوى تضييع للوقت والجهد.
وبناء على ذلك، تسارع روسيا إلى عقد مؤتمر للاجئين في دمشق، والذي هو، في حقيقته، محاولة لإعادة تأهيل الأسد وتشجيع المتردّدين والخائفين من الإدارة الأميركية لتطبيع علاقاتهم مع الأسد وضخ الأموال اللازمة لعملية إعادة الإعمار. كما من المرجح أن تفتح روسيا قناة تفاوض بين النظام وإسرائيل، لفرض دمجه في المشهد الدولي، لما لإسرائيل من تأثير على أميركا والغرب. لكن الأخطر من ذلك كله احتمال إقدام روسيا على محاولة السيطرة على مناطق جديدة في شمال سورية، عبر سياسة الأرض المحروقة وتهجير ملايين من السوريين، وثمّة مؤشرات عديدة عن احتمال قيام روسيا ونظام الأسد بهذا الفعل.

من المرجح أن تفتح روسيا قناة تفاوض بين النظام وإسرائيل، لفرض دمجه في المشهد الدولي، لما لإسرائيل من تأثير على أميركا والغرب.

سوف تستثمر إيران انشغال الأميركيين بعملية انتقال السلطة، لتدعيم ركائز مشروعها في العراق وسورية، بعد أن وضعتها إدارة ترامب تحت المجهر في الفترة الأخيرة، كما ستعمد إلى تثبيت أوراقها، قدر الإمكان، في سورية، لإخراجها من دائرة المفاوضات المتوقع إجراؤها مع إدارة بايدن بشأن ملفها النووي ونشاطها الإقليمي.
ومن المرجّح، في هذه الحال، إقدام مليشيات إيران، في مرحلة تغير الإدارة الأميركية، على تعزيز وجودها في مناطق شرق سورية، ومحاولة اختراق العشائر العربية في مناطق شرق الفرات، فضلاً عن تقويض فصائل المعارضة المسلحة في أرياف إدلب وحلب.
وهكذا، وقبل أن تتفرغ إدارة بايدن لإعادة هندسة الأوضاع الإقليمية والدولية، وإعادة تقييم أدوار اللاعبين الآخرين، تخطّط أطراف كثيرة، تضرّرت أو استفادت من مرحلة إدارة ترامب، إلى وضعها أمام وقائع قد يكلفها تغييرها أثمانا كبيرة، ودفعها تالياً إلى التعايش مع الأوضاع الجديدة.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".