ديمقراطية يا روح

ديمقراطية يا روح

27 يوليو 2014

John Labbe

+ الخط -
بمناسبة الحديث عن الديمقراطية في الوطن العربي، بوصفها المنافسَ الحقيقي للتيارات الدينية المتطرفة، أحب أن أبلغكم بتواضع، على طريقة الجندي الطيب شفيك، بطل رواية ياروسلاف هاشيك، أنني أمضيتُ عمري، العمر لكم ولحبايبكم، وأنا أقرأ العبارات المكتوبة على السيارات الخاصة، والعامة، وحافلات النقل العام، والطريزينات، ولم أعثر على سائق واحد كتب على عربته عبارة: (ديمقراطية يا روح)! 
وأبلغكم، بتواضع أيضاً، أنني كنت مقتنعاً بالحدث الذي جرى أخيراً في الائتلاف الوطني السوري، قصدي إقالة الحكومة المؤقتة، لكنني، حينما طَلَبَتْ مني إحدى الفضائيات (هي من فضائيات الفتنة المتآمرة على بيت الأسد طبعاً) أن أَصِفَ ما جرى، اتخذتُ من سائقي الشاحنات و"الطريزينات" قدوةً، ولم أقل إن هذا كان من أهم تجليات "الديمقراطية"! بل قلت إن هذا كان نتيجة التوافقات الجديدة في الائتلاف التي تتلخص في انقسام الديمقراطيين على أنفسهم، وانقسام الإسلاميين على أنفسهم. وأنا، محسوبكم، لا يخطر ببالي، ولو من مسافة فضائية، أن أقول إن إقالة الحكومة المؤقتة سيؤدي إلى كارثة وطنية! فسورية، على الرغم من وجود كل هذا الكم من الإسلاميين، والديمقراطيين، والمؤيدين للنظام، والمعارضين له، وأصدقاء النظام، وأصدقاء الشعب السوري، وبان كي مون وبشار الجعفري، ووزير الزراعة المنشق أسعد مصطفى، ما زالت تُذْبَحُ وتُدَمَّرُ بدم مثلج.
إنني متأكد، سيداتي سادتي، من أن الرفيق كيم إيل سونج، حينما أطلق على دولته اسم كوريا (الديمقراطية)، لم يكن يمزح، لأنه، على ما يبدو، خطط، بينه وبين نفسه، أن يلعن سنسفيل (الديمقراطية)، ويجعلها عبرة لمن اعتبر، ومنه تَعَلَّمَ رجالُ الإعلام السوري الإكثارَ من الكلام عن الديمقراطية في حالات القمع القصوى،... فحينما كان رجالُ الدولة السورية، والمخابرات، وعتاولة البعثيين، من أمناء الفروع والشُّعَب والفرق والحلقات الحزبية البعثية، ينجحون في إرغام مئات الألوف من جماهير شعبنا الكادحة على النزول إلى الشوارع،
وجَعْلِهم يتعرضون للحال الذي يُوصف بعبارة (ركض وغَبْرة وقلة قيمة)، ويَضْربون لهم على الطبول ويُتَرْغلون لهم بالمزامير، ويرغمون الأكثر بدانةً بينهم على أن يرقص ويهزّ خصره، كما لو أنه نجوى فؤاد حينما كانت في أوج عطائها... ما كانوا يتوانون عن إطلاق اسم (عرس الديمقراطية)، على هذه الهمروجة الاستبدادية الفظيعة!
حينما دعيتُ، أنا الجندي السوري المتفوق في طيبتي على جندي هاشيك التشيكي، قبل سنة ونيف، لحضور المؤتمر التأسيسي لاتحاد الديمقراطيين السوريين في القاهرة، تردد في مسمعي صوت أسمهان، وهي تغني (افرح يا قلبي لك نصيب)، فقد كان لي، في الواقع وليس في الحلم، نصيبٌ لأن ألتقي بمائتين وخمسين ديمقراطياً سورياً (عدا الفراطة)! ومن شدة فرحي بلقائهم، كنت أرغب في أن أقبل جباههم واحداً واحداً، وأشد على أيديهم واحداً واحداً، وأقول لهم، واحداً واحداً:
- أبوس أرواحكم يا أصدقاء، فقد شبعنا ديكتاتوريات!
أنا، مثل الجندي الطيب شفيك، مولعٌ برواية الحكايات. لذلك، حكيتُ لأحد أصدقائي (وهو من إخوتنا الأكراد) بكثير من الاندفاع والاندهاش والاستمتاع، تفاصيل ووقائع كثيرة شهدتُها في المؤتمر، وتدل على تأثر قسم كبير من الديمقراطيين في المؤتمر بديمقراطية الرفيق كيم إيل سونج! وأكدتُ له، من جهة أخرى، أنه كان بين الحاضرين شخصيات معروفة بأنها مستبدة من دون أي لبس.
صديقي الكردي، من النوع الذي يحب ضرب الأمثال، سألني:
- كان في مؤتمر الديمقراطيين شخصيات مستبدة شهيرة؟ قصدك يعني، واحد يشبه صالح مسلم مثلاً؟ 
قلت له: بل كان صالح مسلم (نفسه) موجوداً في المؤتمر!
وأعود الآن، مع الاعتذار للإخوة القراء عن هذه الاستطرادات المغرية، إلى وقائع الجلسات المطولة التي شهدها "الائتلاف" في أثناء استجواب الحكومة المؤقتة، فأقول إن العملية تتلخص في أنها أول عملية استجواب لحكومة سورية منذ أواخر عام 1957، أي قبل وقت قليل من الخازوق المبشم الذي دقته الوحدة العربية (اللي ما يغلبهاش غَلاب) في تابوت الدولة المدنية السورية. وهذا جميل، في الحقيقة، ويمثل خطوة إلى الأمام.
وفي هذا الاجتماع، أيضاً، ألقى عضو الائتلاف، السيد جابر زُعَيِّن، مداخلة أراها بالغة الأهمية فيما يتعلق بموضوع (ديمقراطية يا روح) الذي اخترتُه عنواناً لهذه المقالة.
لاحظ جابر أن بعض الرجال المحسوبين على الخط الديمقراطي، حينما يقدم أحدُهم وجهةَ نظر، يريد من الحاضرين أن يقتنعوا بها، وأن يقولوا له ما معناه (أنت تؤمر يا باشا)، فإن لم يفعلوا يُرعد ويزبد، وتنتابه رغبة عارمة في أن يجعل الأرض تميد تحت أقدامهم.
وخلص إلى القول: الآن، أنا أفهم السبب الذي جعل بشار الأسد يرفع شعار: الأسد أو نحرق البلد! 
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...