ثورة الحرية والكرامة

ثورة الحرية والكرامة

19 مارس 2023

طفلة سورية في مظاهرة في إدلب ضد نظام الأسد في ذكرى الثورة (15/3/2023/الأناضول)

+ الخط -

لن يقرأ هذه المقالةَ سوى الذين يتابعون زوايا "العربي الجديد" بحكم العادة، أو القلائل الذين يعتقدون أنني كاتب جيد، فيجعلهم هذا الاعتقادُ يقرأون أي شيءٍ أكتبه، حتى ولو كان عنوانه إنشائياً، مثل "ثورة الحرية والكرامة"، أو، مقتبساً عن شطر بيتٍ من شعر سليمان العيسى، "نقاتلُ الحَلَكَ الباغي سننتصرُ"... سيعزفون عن قراءتها؛ لأنّ عنوانها يوحي بأنني سأكيل للثورة السورية المديح، وأشبّح لها، مهاجماً أنصارَ النظام المجرم، والرماديين الذين تقاعسوا عن نصرتها، وأعضاء حزب الكنبة، وجماعة الثورة المضادّة، وأشيد بسياسييها الأذكياء الذين كانوا يعيشون كالملوك في كنف النظام المجرم، ومع ذلك "انشقّوا" والتحقوا بثورتنا المباركة، وبضباطها ومجاهديها الذين ساموا النظام وأعوانَه مرّ العذاب، ثم أحلف "بسماها وترابها" على أنها ستنتصر، طال الزمن أم قصُر، هذا إذا لم تكن انتصرت بالفعل، كما قال المرحوم حكم البابا.

أنا، وهنا يجب أن أضيف كلمة "محسوبكم"؛ لكي أثبت لمن يقرأني أنني عربيّ قح، متواضع، مثل الطبيب الجرّاح العربي حينما يقول له أهل المريض: شكراً لك، يا حكيم، لقد أنقذتَ مريضنا، فيضع يديه، كلتيهما، على صدره، ويحني رأسه إلى الأمام ويقول: أستغفر الله، أنا ما عملت أي شيء، ربّنا له إرادة في شفائه، وما "الداعي لكم بطول العمر" إلا وسيلة لإنقاذه... مع أن جملة الشكر هذه، لو قيلت لطبيبٍ أجنبي لأجاب عليها بكلمة واحدة: طبعاً! ومن لطائف الأطباء السوريين أن معظمهم يعلقون في العيادة لوحة تتضمّن الآية القرآنية "وإذا مرضتُ فهو يشفين"، ولعلّ من حسن حظهم أنّ المرضى لا يدقّقون بمعنى كلّ شيء يرونه، فلو فعلوا لوجدوا أنّ الطبيب يقول للمريض: إذا مرضتَ ربكَ يشفيكَ، فلماذا أتيت إلى عيادتي؟ هيا انصرف.

المهم؛ أنا، محسوبكم، كانت لديّ قناعة بأن مصطلحات مثل الحرية، والكرامة، والنخوة، وإغاثة الملهوف، واحترام الكبير والعطف على الصغير، لا تصلح للثورات، بل لكتابة موضوع إنشائي مدرسي رائع، سيما إذا أضاف إليه التلميذ النجيب بيت أبي فراس الحمداني القائم على أكذوبةِ أننا قومٌ مبدئيون، فإما أن نكون في صدر العالم، أو نذهب إلى القبر... لكنّني رأيتُ أننا لم نكن نمتلك من الحرية والكرامة، في أيام نظام الأسد المجرم، شروى نقير، ولا حتى النخوة العروبية، إذ كنا نرى المخابرات يشحطون جارَنا من بيته، وهم يرفسونه كأنهم بغالٌ شموسة، ويسبّون نساءه، بحضورهن، فندير وجوهنا ونردّد في سرنا أفضل حكمة اخترعتها عقول الشعوب المقهورة: ما لنا وما للناس؟ ثم يفكّر الواحدُ منا بصوت مسموع، أمام زوجته، بأنّ الشباب، يعني المخابرات، لا يمكن أن يشحطوا جارَنا فلاناً، هكذا، من الباب للطاقة، فأغلب الظن، والله أعلم، أنه متورّط في عمل يهدّد أمن البلاد، أو منتسبٌ إلى تنظيم إرهابي يخطّط لتنفيذ تفجيرات في المنشآت المدنية التي تقدّم للشعب المسكين ما يلزم له من سلع وخدمات ... والزوجة، بدورها، تهمس لجارتها: ما عندي من الأخبار غير أنّ جارنا فلاناً متورّط ... إلخ، وتحكي لزوجها ما سمعته من جارتها، وهو يحكي لرفاقه، في المقهى، أنّ الجار فلاناً متورّط بالفعل، وقد نفذ عمليتين إرهابيتين، وقبل أن ينفذ الثالثة، ألقي القبض عليه.

بعد أن اشتركنا في ثورة الحرية والكرامة هذه، كسبنا حرية التحدّث في بعض الأمور، مثل سباب النظام المجرم، و"وضع عِرْضِهِ على بَلَّانة". لكنْ، صار لزاماً علينا أن نتجنّب ذكر عبارة دولة عَلمانية، ونضع مكانها "دولة مدنية"، وإذا مات مسيحي، أو ملحد، لا نترحّم عليه، ونبتعد عن انتقاد الثوار، حتى ولو دعا أحدهم إلى إبادة قوم آخرين، وإذا سمعنا أنّ سوريّاً واحداً غير مصابٍ بلوثة الطائفية، يجب أن نتجمّع حوله، ونتفرج عليه، بإشفاق، ونأخذ معه صوراً تذكارية!

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...