تمرُّدُ ''فاغنر'' ومآلات الأزمة الأوكرانية

تمرُّدُ ''فاغنر'' ومآلات الأزمة الأوكرانية

29 يونيو 2023
+ الخط -

لا يزال تمرُّد مجموعة ''فاغنر'' يفرز تداعياته، على الرغم من الصفقة التي توصّل إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقائد المجموعة يفغيني بريغوجين، بعد وساطةٍ قادها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو. وأبرز هذه التداعيات وأكثرها تأثيرا على روسيا يرتبط بالحرب في أوكرانيا ومآلاتها.

لم تكن أحداث السبت الماضي بالنسبة للروس مجرّد مقطع عابر في الأزمة الأوكرانية، بقدر ما كانت أصعب اختبار واجهوه منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من 16 شهرا. كشفت هذه الأحداث أن هناك تصدّعات في الجبهة الداخلية الروسية، خصوصا في المؤسّستين الأمنية والعسكرية اللتين يفترض أنهما النواة الصلبة للقوة العسكرية والاستخباراتية للروس الذين يخوضون حرب حياة أو موت في أوكرانيا. ومن الواضح أن الكرملين لم يكن يتوقّع تمرّد مجموعة ''فاغنر'' التي لعبت دورا محوريا في معارك خاضها الجيش الروسي في شرق أوكرانيا، وفي مقدمتها معركة باخموت.

ما يلفت الانتباه في هذا التمرّد مخرجات الصفقة بين الطرفين، فمقابل إبعاد قائد ''فاغنر'' إلى بيلاروسيا وانسحاب مقاتليها من المناطق التي سيطروا عليها في جنوب روسيا، كان لافتا قبول الكرملين إسقاط المتابعة القضائية بحق قائد ''فاغنر''، ما يطرح أسئلة بشأن قوة المجموعة وحجم نفوذها داخل الجيش الروسي. وإذا كان قرار إسقاط المتابعة عن بريغوجين يبرَّر بأنه ليس من مصلحة بوتين فتح جبهة داخلية هو في غنى عنها حاليا، أمام الصعوبات الميدانية التي تواجهها القوات الروسية في أكثر من جبهة في الحرب، فإنه، من ناحية أخرى، يمنح الغربَ هامشا لإعادة قراءة الأزمة الأوكرانية وتركيبها وفق المتغيّرات الحاصلة سياسيا وعسكريا، بما يعنيه ذلك من إعادة جدولة الأولويات ذات الصلة بالدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا. وتكمن المشكلة الكبرى التي تواجه الغرب في تعاطيه مع الأزمة الأوكرانية في معرفة مدى التصدّع داخل المعسكر الروسي وتأثيره على نظام الرئيس بوتين على المدى البعيد.

في السياق ذاته، يشكّل صدام الكرملين مع مجموعة ''فاغنر'' ضربة موجعة للمشروع السياسي للرئيس بوتين، على اعتبار أن ما حدث يُعتبر، وفق الثقافة السياسية التي يمتح منها بوتين والنخبة الروسية ذات الجذور السوفييتية، خيانةً بكل المقاييس؛ خيانة في لحظة فارقة من مسار الحرب، سيما أن المجموعة ما فتئت تمثّل غطاء عسكريا للنفوذ الروسي المتنامي في أكثر من منطقة في العالم. وعندما اندلعت شرارة الحرب في أوكرانيا كان ذلك منعطفا في أداء قواتها وتسويق صورتها في العالم شركة لبيع الخبرة العسكرية الروسية بمختلف أجيالها.

على الأرض، يفتح تمرّد ''فاغنر'' فصلا جديدا في الحرب، بحيث ستفقد القوات الروسية مصدر دعم رئيسا، في ظل ما تتمتع به قوات المجموعة من خبرةٍ وتمرّسٍ وقتاليةٍ. وهو ما بدا في عدة معارك كان تدخلُّها حاسما في ترجيح الكفّة لصالح الروس. أما بالنسبة لأوكرانيا، فالتمرّد فرصة ثمينة لاستعادة المبادرة، برفع معنويات جنودها الذين يواجهون صعوبات لوجستية في بعض جبهات القتال. ولعل ذلك ما يفسِّر تصاعدَ الهجمات التي شنتها القوات الأوكرانية بالتزامن مع أحداث السبت الماضي، فخروج مقاتلي ''فاغنر'' من معادلة الحرب ستكون له تداعيات ميدانية ونفسية، في مرحلة حرجة جدا يمر بها الصراع في أوكرانيا، خاصة بعد الهجوم المضادّ الذي بدأته القوات الأوكرانية مطلع شهر يونيو/ حزيران الجاري.

قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن نجاح القيادة الأوكرانية في استخلاص العائديْن العسكري والسياسي لتمرّد ''فاغنر''، لكنها نجحت في إظهار أن الحرب أحدثت شرخا في الأوساط ذات الصلة بصنع القرار في موسكو، وبالضبط بين وزارة الدفاع الروسية وهيئة الأركان العامة من جهة ومجموعة ''فاغنر'' من جهة أخرى. فمن المستبعد أن يكون التمرّد قد حدث من دون دعم، أو على الأقل علم نخب قريبة من دوائر القرار الروسي.