بشار الأسد حبيب الشعب ... التركي؟

بشار الأسد حبيب الشعب ... التركي؟

26 ديسمبر 2022
+ الخط -

هل يصل ملف الأزمة السورية إلى نهايته عند المصافحة المرتقبة بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورأس النظام السوري، بشار الأسد؟ وما هذا التنافس المحير في صفوف الحكم والمعارضة التركية على التودّد لدمشق والانفتاح عليها. كشفت وسائل إعلام تركية مقرّبة من حزب العدالة والتنمية (الحاكم) عن معلومات تقول إن قيادات في حزب الشعب الجمهوري، المعارض، دعت بشّار الأسد إلى عدم الاجتماع بالرئيس أردوغان قبل موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا، وأنها تقدّمت بتعهدات ستفي بها المعارضة التركية في حال فوزها، أبرزها دفع تعويضات للنظام وسحب كل القوات التركية المنتشرة في الأراضي السورية. وقبل أشهر، كانت وسائل الإعلام نفسها تهاجم قيادات المعارضة التي تتسابق على زيارة دمشق والانفتاح على النظام.
ينتظر سوريون كثيرون اللحظة الفارقة في تاريخ سورية والعلاقات التركية السورية. وصورة أردوغان والأسد يداً بيد في مصافحة لا تقل قيمة وأهمية عن مصافحة أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن عواصم عربية وغربية كثيرة تنتظر موعد الانتخابات التركية، لتعرف إذا ما كان أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) سيبقيان على رأس السلطة لإدارة مسار الملف السوري والتقاط الصورة الموعودة.
تعد روسيا لطبخة سورية جديدة، تمكّنها من التركيز على الملف الأوكراني أكثر فأكثر، من قبيل جمع أردوغان والأسد تحت سقف واحد في موسكو أو سوتشي أو أستانة لإنجاز صفقة مقايضات مدروسة ومبرمجة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وتحرّك ملف التسويات في سورية، بعد الانسداد في المنصّات الإقليمية والدولية، في فرصة قد لا تسنح مرة أخرى لأكثر من لاعب مؤثر في الملف، يريد الخروج من المستنقع السوري.

ليس أردوغان في وارد تقديم تنازلات سياسية للأسد. من يفاوضه هو بوتين الذي منحه أوراقا استراتيجية كثيرة ثنائيا وإقليميا

كان من المستحيلات قبل عام تقريبا الحديث عن إمكانية إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى سابق عهدها، كما كانت عليه في عام 2010 مثلا، في وجود كل من أردوغان وبشار الأسد في السلطة في بلديهما. بذل كل واحد منهما جهودا جبارة لاستهداف الآخر. يتحدّث أردوغان اليوم عن طلبه من نظيره الروسي، بوتين، ترتيب لقاء ثلاثي يجمعه مع الأسد. ولكن لماذا يريد أردوغان مغامرة من هذا النوع، وهو يعرف أن خيوط اللعبة في دمشق بيد موسكو وطهران، وأنه قادر على التفاوض معهما وأخذ ما يريده، من دون الجلوس إلى طاولة واحدة مع رأس النظام في دمشق؟ يعطي الرئيس التركي الأولوية لمعركة الانتخابات التي تنتظره مع حزبه في منتصف العام المقبل. ومن أجل ذلك، يحارب على أكثر من جبهة في الداخل والخارج. وملف الأزمة في سورية أحد أبرز العقبات التي تواجهه، بعدما كان الرهان قبل عقد على قيادة سورية جديدة تبني شراكة استراتيجية إقليمية مع أنقرة، بعيدا عن النفوذين، الروسي والإيراني، وهو ما لم يتحقّق.
ليس أردوغان في وارد تقديم تنازلات سياسية للأسد. من يفاوضه هو الرئيس الروسي بوتين الذي منحه أوراقا استراتيجية كثيرة ثنائيا وإقليميا، سيستفيد منها، ويجيّرها إلى مكاسب سياسية واقتصادية في الملف السوري، كما تقول قيادات المعارضة، على طريق أصعب الامتحانات التي تنتظر "العدالة والتنمية" منذ عقدين في السلطة.

يريد أردوغان كسب الوقت والشارع التركي قبل التوجه إلى الصناديق في معركته الانتخابية الفاصلة

أعلن وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، أنه أجرى محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في بلغراد. والكشف عن اللقاء مهم طبعا، لكن الأهم كان ما تحدث عنه شاووش أوغلو، وهو يمهد لأردوغان كي يكشف النقاب عن خريطة الطريق التركية باتجاه لقاء الأسد ومحاورته "علينا تحقيق اتفاق بين المعارضة والنظام في سورية بطريقة ما"، إلى جانب "ضرورة وجود إرادة قوية لمنع انقسام سورية، ومن يفعل ذلك هو وحدة الصف"، ليتوج ذلك كله "بعودة الذين اضطرّوا لترك ديارهم وتحقيق سلام دائم في سورية".
يريد أردوغان كسب الوقت والشارع التركي قبل التوجه إلى الصناديق في معركته الانتخابية الفاصلة. ولا يمكن الإقدام على خطوة من هذا النوع من دون طمأنة الناخب بأن الملف السوري ستكون له حصته في سياسة تركيا الجديدة. هل ينطبق الأمر على بشار الأسد والعلاقة معه؟ هذا ما ستكشف عنه مرحلة ما بعد الانتخابات في تركيا، رغم أن مؤشّرات رسائل القيادات التركية فيها حماس واندفاع كثيران باتجاه الانفتاح على دمشق.
لا يمكن الفصل بين التدخلات، الروسي والإيراني، السياسي والعسكري والاقتصادي المباشر لصالح النظام في دمشق، وبين تراجع عواصم وقوى إقليمية ودولية كثيرة عن خطة التغيير وإزاحة نظام الأسد عن الحكم، واعتبار ذلك أيضا في طليعة أسباب دفع أنقرة إلى مراجعة سياستها السورية.

ما يقرّب أنقرة من دمشق اليوم مواجهة السياسة الأميركية في سورية وتمسّكها بحليفها المحلي "قوات سوريا الديمقراطية"

اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، وتحول الملف السوري إلى العامل الثاني المؤثر بعد ملف الاقتصاد والمعيشة في خيارات الناخب التركي، هما ما يدفعان أردوغان وحزبه إلى الإعلان عن مواقف وعروض سياسية جديدة تتعلق بالتعامل مع الملف أولا، والعلاقة بين أنقرة ورأس النظام في دمشق ثانيا.
يردّد زعيم حزب الحركة القومية، اليميني، وحليف أردوغان منذ فترة، دولت بهشلي، أنه "يأمل ويتمنّى بصدق أن يسود التطبيع في علاقاتنا مع دول الجوار بحلول عام 2023، حيث تقول الجغرافيا الواسعة التي نعيش عليها إن الخيار الوحيد للحياة فيها هو التعانق وليس الاقتتال". وهذا كلام مهم يحمل أكثر من رسالة إلى أكثر من طرف له علاقات متوترة مع أنقرة... قالت قوى المعارضة التركية نفسها كلاما مشابها في رسائلها إلى الداخل والخارج، هو سباق التحول في المواقف والسياسات، قبل الذهاب إلى الصناديق، فهل يستمر إلى ما بعد إعلان النتائج؟
من حق قيادات حزب العدالة والتنمية أن تراجع سياستها السورية كما تشاء. من الممكن القول أيضا إن ما يقرّب أنقرة من دمشق اليوم هو مواجهة السياسة الأميركية في سورية وتمسّكها بحليفها المحلي "قوات سوريا الديمقراطية". وأن موضوع اللاجئ السوري وتفاعلاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وضرورة إيجاد صيغة الحل المناسب والسريع مسألة فيها كثير من التفهم والقبول للخطوات التركية الجديدة. ولكن قرار المصالحة والتطبيع مع نظام الأسد، بشقّه السوري، ينبغي أن يترك لقوى المعارضة وفصائلها، وأن تحدد هي خيارات المرحلة المقبلة، بعيدا عن إلزامها بمتطلبات وحدة الصف، و"جهود" التقريب بين المعارضة والنظام، لمنع "خطر" الانقسام الذي يهدّد سورية. 

4A6988D0-57AB-4CAB-9A76-07167D860E54
سمير صالحة

كاتب وباحث تركي، أستاذ جامعي في لقانون الدولي العام والعلاقات الدولية، دكتوراة في العلوم السياسية من جامعة باريس، له عدة مؤلفات.