اليمين المتطرّف يقرع أبواب أوروبا

اليمين المتطرّف يقرع أبواب أوروبا

29 سبتمبر 2022
+ الخط -

لم تكن أحزاب اليمين المتطرّف في أوروبا، قريبة من السلطة مثلما هي عليه اليوم، بعدما قلب تحالف الأحزاب اليمينية المتطرّفة الثلاثة، ''إخوة إيطاليا'' و''الرابطـة'' و''فورزا إيطاليا''، الطاولة على الطبقة السياسية الإيطالية، وتصدَّر نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الأحد الفائت، بحصوله على 44% من الأصوات. ويكفي ذلك لتأمين أغلبية نسبية داخل مجلسي البرلمان، تتيح تشكيل ائتلاف حكومي بقيادة زعيمة حزب ''إخوة إيطاليا''، جورجيا ميلوني.

يعيد فوز اليمين المتطرّف في إيطاليا إلى الواجهة شبح الفاشية الجديدة إلى أوروبا، في ظل عجز النخب التقليدية، اليمينية المحافظة واليسارية المعتدلة، عن تقديم حلولٍ ملموسة للأزمات التي تعصف بالمجتمعات الأوروبية، وفي مقدّمتها تدهور الأوضاع المعيشية لشرائح واسعة نتيجة الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية والسياسات الاقتصادية المحابية للرأسمال العابر للحدود، وتفاقم مشكلة المهاجرين واللاجئين الفارّين من بؤر التوتر في آسيا وأفريقيا. ويبدو أن حزب ''إخوة إيطاليا''، المنحدر من الحركة الاجتماعية الإيطالية (الفاشية) التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، قد نجح في بلورة خطاب سياسي مغاير، أكثر قدرة على استمالة بعض فئات المجتمع الإيطالي، خصوصا داخل اليمين المحافظ، من خلال توظيف براغماتي للإرث الفكري والسياسي الفاشي من دون تبنّيه بشكل صريح، سيما في ما يتعلق بمعارضة شعار ''معاداة السامية'' الذي تبنّاه موسوليني خلال فترة حكمه. ويختزل شعار ''الرب، الوطن، العائلة'' أيديولوجيةَ الحزب واختياراته الفكرية والسياسية، إذ يتبنّى موقفا متشدّدا إزاء تزايد أعداد المهاجرين الأفارقة في إيطاليا، كما لا يخفي انزعاجه مما يعتبره موجة أسلمةٍ يتعرّض لها المجتمع الإيطالي، من دون إغفال معارضته الحركات المدافعة عن المثليين.

يكاد حزب ''إخوة إيطاليا'' لا يختلف عن معظم تشكيلات اليمين المتطرّف في أوروبا، من حيث توظيفه مشكلة المهاجرين واللاجئين في إقناع الناخبين بخطابه المناهض سياسات الاتحاد الأوروبي التي لا تلقي بالا، من وجهة نظره، لما تتحمّله إيطاليا من تكاليف في مواجهة هذه المشكلة وإدارة تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولعل ما يلفت الانتباه، في هذا الخصوص، تزايد نسبة الإيطاليين المؤيدين خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، في ظل شيوع شعور عام بأن الاتحاد ترك إيطاليا تواجه مصيرَها وحدها في مواجهة الجائحة، من دون أن يقدّم لها العون الكافي، خصوصا خلال السنة الأولى من تفشّي الوباء. وعلى الرغم من تراجع فكرة الانسحاب من الاتحاد في الخطاب السياسي لليمين الإيطالي المتطرّف، إلا أن تبنيَ سياسات أكثر حزما في علاقة روما بالاتحاد مثَّل، إبّان الحملة الانتخابية، أحد العناوين الرئيسة في برنامج هذا اليمين. ومن ذلك تقديم الاتحاد مزيدا من المساعدات لإيطاليا، بما يمكّنها من الحدّ من تدفق المهاجرين الأفارقة على سواحلها الجنوبية.

يُعطي تصدُّرُ اليمين الإيطالي المتطرّف نتائج اقتراع الأحد الماضي زخما سياسيا للأحزاب اليمينية المتطرّفة في أوروبا، ما يمكن اعتباره بمثابة كرة ثلجٍ قد تتدحرج باتجاه أي بلد أوروبي آخر، وبالأخص بعد الصعود اللافت الذي حققته هذه الأحزاب، بدرجاتٍ متفاوتة، في المجر وبولندا والسويد وفرنسا وبلجيكا وهولندا والنمسـا. ولعل ما يشكل مبعثَ قلق بالنسبة لقادة الاتحاد ارتباط هذا الصعود بتراجع الإيمان بوحدة الشعوب الأوروبية، ما يعني أن احتمال تكرار السيناريو البريطاني يبقى واردا.

من هنا، يُعَدُّ صعودُ اليمين المتطرّف في إيطاليا حلقةً ضمن تحوُّلٍ هادئٍ وعميقٍ تشهده المجتمعات الأوروبية؛ تحوُّل يتغذّى على أزمة عميقة ومركبة تشهدها هذه المجتمعات، لم تعد معها الديمقراطية الليبرالية قادرةً على تقديم إجاباتٍ شافيةٍ عمّا يستجدّ في قضايا الهوية والحريات والهجرة والاقتصاد وعدم المساواة وضعف الحراك الاجتماعي. ولا شك أن وجود حكومات في أوروبا، يقودها أو يشارك فيها اليمين المتطرّف، يُمثل تحديا قيميا وثقافيا وسياسيا كبيرا للاتحاد، يستدعي مواجهته قبل فوات الأوان.