المغرب وإسرائيل... التطبيع مقابل الابتزاز

المغرب وإسرائيل... التطبيع مقابل الابتزاز

12 يوليو 2023

علم فلسطين في مظاهرة مغاربة في الرباط داعمة للشعب الفلسطيني (30/3/2023/فرانس برس)

+ الخط -

"التطبيع مقابل الابتزاز"، الصيغة الجديدة التي تقترحها الحكومة الصهيونية المتطرّفة مقابل كل "التنازلات" التي يقدّمها المغرب الرسمي من أجل تطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني، ففي جديد أشكال هذا الابتزاز، اشترطت إسرائيل عقد المغرب اجتماع مجموعة النقب، التي تضم وزراء خارجية إسرائيل وأميركا والمغرب والإمارات والبحرين ومصر، على أرضها، لتبدأ حكومة تل أبيب التفكير في اعترافها بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة بوليساريو" المدعومة من الجزائر. وماطل المغرب الرسمي في عقد هذا الاجتماع عبر تأجيله مرّات عديدة، وكل مرّة لأسباب مختلفة، يبدو أن الإسرائيليين غير مقتنعين بها، لذلك دخل الطرفان في عملية ابتزازٍ متبادلة فيما بينهما، هذه مقابل تلك!

تُثبت هذه الواقعة أن إسرائيل لا تمنح أي شيء بدون مقابل، وهذه طبيعة الكيان الصهيوني الذي يضع مصالح دولته وشعبه فوق كل اعتبار، وبالتالي، يجب عدم الوثوق في وعودة الكاذبة. وعلى الجانب الآخر، تكشف هذه الواقعة عن زيف الخطاب الرسمي المغربي الذي روج لحظة توقيعه على اتفاقات التطبيع، قبل سنتين ونصف السنة، بأنه لن يُقايض تطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني بمواقف من قضية الصحراء، التي يعدّها أغلب المغاربة قضيتهم الأولى، وبالأحرى أن تكون هذه المقايضة على حساب القضية الفلسطينية التي تحتلّ مكانة رمزية داخل المجتمع المغربي. الآن نحن أمام مقايضة فجّة وبائسة من كيان محتل مقابل توسّل من دبلوماسية مغربية ضعيفة تبحث عن شرعية لقضية، يفترض أنها عادلة، من كيان مغتصب وبعيد كل البعد عن العدل والحق والشرعية!

مع مرور الوقت، وتكثيف علاقات التطبيع الرسمي المغربي مع الكيان الصهيوني وتشبيكها، سيُصبح هذا التطبيع جد مكلف سياسيا ومحرجا أخلاقيا بالنسبة للمغرب

وكلما اشتدّ شدّ حبل الابتزاز بين المغرب الرسمي وإسرائيل انكشفت مفارقاتٌ كثيرة تؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن قرار التطبيع الرسمي الذي اتخذته الرباط لم يكن فقط قرارا فوقيا، وإنما أيضا كان متسرّعا، أملته حسابات صغيرة، يكشف مرور الأيام عدم دقّتها، بل وخطأها، فالاعتراف الرئاسي الأميركي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء، ما زال حبرا على ورق، بما أن ساكن البيت الأبيض الحالي لم يزكّه، ولم يتحقق شيء من وعود الإدارة السابقة، فتح مقرّ للقنصلية الأميركية في منطقة الصحراء، وفي استثمار مليارات الدولارات في الإقليم.

أما الدعاية الرسمية بأن العلاقات المغربية الرسمية مع الكيان الصهيوني تشهد تطوّرا متزايدا، فهي سمجة من مساندي التطبيع في المغرب، لأن ما تشهده هذه العلاقات اليوم من تعدّد الزيارات الرسمية وتوافد للسياح الإسرائيليين على المغرب، ولو ليس بالعدد الذي تم ترويجه، وتبادل اقتصادي وتعاون أمني وعسكري، وتهافت المطبّعين على إبراز ولائهم للكيان الصهيوني، كلها أشياء كانت موجودة حتى قبل التطبيع، والجديد أنها أصبحت في وضح النهار، بعد أن كانت تجري في الماضي في سرية وخلف الأبواب المغلقة. وفي المقابل، كان التطبيع وما زال مرفوضا شعبيا داخل المجتمع المغربي، والتظاهرات أو الفعاليات المناهضة له ممنوعة ومحظورة رسميا، والمكان الوحيد الذي لم تطاوله آلة المنع الرسمي ملاعب كرة القدم، خصوصا في أثناء المباريات الدولية، حيث يرفع لاعبون مغاربة شجعان، وأغلبهم يعيشون في أوروبا أو ولدوا وترعرعوا في دول أوروبية، ويلعبون مع أندية أوروبية، العلم الفلسطيني كلما انتصر الفريق الوطني المغربي أمام تصفيق الجماهير المغربية الحاضرة وتشجيعها، في تعبير واضح وصريح عن مدى قناعة المغربية والمغربي البسيطين بعدالة القضية الفلسطينية.

الدخول في لعبة الابتزاز القذرة يؤدّي إلى مزيد من تعفّن العلاقات المغربية الإسرائيلية

مع مرور الوقت، وتكثيف علاقات التطبيع الرسمي المغربي مع الكيان الصهيوني وتشبيكها، سيُصبح هذا التطبيع جد مكلف سياسيا ومحرجا أخلاقيا بالنسبة للمغرب الذي يرأس عاهله لجنة القدس. وقد تابعنا مرّة أخرى كيف اضطرّت الحكومة المغربية المطبّعة إلى دفن رأسها في الرمل، وهي ترى جيش الاحتلال يدمر بيوت وأزقة مخيم جنين مخلفا 12 شهيدا من بينهم أطفال ومدنيون عزّل أبرياء. وأمام تزايد الغضب العام في الشارع المغربي، اضطرّت الخارجية المغربية إلى الخروج عن صمتها، لتدين بكلمات محتشمة العدوان الإسرائيلي، في إشارة إلى مستوى الحرج الذي تجد نفسها فيه كل مرّة أمام العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين، بما أنها لن تسطيع فعل أكثر من ذلك، ولا قدرة لها على تحويل إدانتها إلى عمل.

أثبتت الأيام، والأيام دولٌ كما يقال، أن كل الوعود الكاذبة التي أطلقت عشية التوقيع على اتفاقات التطبيع مع إسرائيل تجاه خدمة القضية الفلسطينية وقضية السلام عموما، لم يتحقق منها شيء يذكر، فالاعتداءات الإسرائيلية ازدادت، بل وأصبحت أكثر عنفا وفتكا بالفلسطينيين وتدميرا للبنية التحتية لمدنهم وقراهم، والاستيطان يتمدّد كل يوم في القدس والضفة الغربية مثل سرطان خبيث يستحيل استئصاله، وبات حلم قيام الدولة الفلسطينية بعيد المنال. وفي المقابل، لم يجن المغرب الرسمي، الذي وضع كل بيضه في السلة الصهيونية، شيئا يذكر من هرولته نحو التطبيع. ومهما بلغ حجم المبادلات الاقتصادية والتجارية وقوة التعاون الأمني العسكري بين المغرب الرسمي وإسرائيل، لن تتفوّق هذه المصالح على أي غضب أخلاقي تشعر به المواطنة والمواطن المغربي الحرّين تجاه الإجرام اليومي الذي تقوم به سلطات الاحتلال. وقد حان الوقت لتسجيل وقفة تأمل قبل فوات الأوان. أما الدخول في لعبة الابتزاز القذرة، فلن يؤدّي سوى إلى مزيدٍ من تعفّن هذه العلاقات غير الطبيعية أصلا!

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).