العراق و"العفو الدولية"

العراق و"العفو الدولية"

12 مايو 2023
+ الخط -

من يتابع أو يطلع على أسلوب تعامل منظمة العفو الدولية مع الحكومة العراقية يلاحظ أن تغييراً ملموساً ينمّ عن معرفة واقعية ومؤكّدة بالحالة العراقية أولاً، ثم بسلوك الحكومات المتعاقبة في العراق في ملفّ حقوق الإنسان. ولعل الرسالة التي وجهتها المنظـمة إلى رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بعد تسنّمه مهامه مباشرةً في منتصف مارس/ آذار الماضي، تشير بوضوح إلى هذا المتغير، وتقول بشكل مباشر للسوداني إن "المقياس الحقيقي لالتزام الحكومة بحقوق الإنسان ليس في الوعود التي تقدّمها، وإنما في الإجراءات التي تتخذها، وعلى الحكومة أن توائم الخطاب بشأن حقوق الإنسان مع العمل الهادف". وتضيف نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، آية مجذوب: "شعب العراق يستحقّ أكثر من مجرّد خطب جوفاء ودوائر لا نهاية لها من الانتهاكات".

وتعهّد رئيس مجلس وزراء العراق بمتابعة كل من ارتكب الجرائم في بلاده، وبأن لا أحد سيفلت من العقاب، بمن فيهم الذين تعمّدوا قتل المحتجّين في انتفاضة 2019. وكتب في رسالة الرد على رسالة "العفو الدولية"، في 2 الشهر الماضي (نيسان/ إبريل)، أنه سيلتزم بموضوع الحريات العامة وحقوق الإنسان، لكن السوداني في واقع الحال، بدل أن يقدّم قتلة 2019، والأشخاص أو المليشيات التي اغتالت النشطاء في حقوق الإنسان والإعلاميين وخطفتهم الى المحاكمة، زجّ أعدادا من الشباب في أتون السجون، بعد محاكمات شكلية ضمن حملة "قمع المحتوى غير اللائق على الإنترنت"، وهو أمر يخالف حرية التعبير من جهة، ويلتقي مع ارتكاب مظالم بحق الأبرياء، بما لا يلتقي كلياً مع ملاحظات "العفو الدولية" ومطالبها.

من وجهة نظـر أممية، كانت المنظمة الحقوقية الشهيرة تأمل أن تنفصل حكومة محمد شياع السوداني عن كل إخفاقات (وتجاوزات) الحكومات التي سبقتها، وأن تقدّم حركة تصحيحية فاعلة في ملفات الحرية والعدالة والتزام جانب الحق في ما يتعلق بالاعتقالات العشوائية والإعدامات غير القانونية والسجون السرّية والإخفاء القسري وإساءة معاملة المرأة والطفل وإبقاء سكان مخيمات المهجّرين والنازحين لسبب طائفي من دون حلول لإعادة أهلها إلى مناطقهم وتكبيل الصحافة العراقية بسلسلة من المحاذير والإجراءات المقيّدة لحرية التعبير جعلت من العراق في المرتبة 167 في ترتيب الدول عالمياً في مجال حرية الصحافة والـ18 عربياً. ولدى المنظمة نماذج كثيرة لتجاوزات الحكومة العراقية في هذا المجال، وهي طبعاً "من تتحمّل بالمحصلة النهائية كل تصرّفات المليشيات والعصابات الإرهابية أمام الرأي العام الدولي وأمام كل المنظمات الدولية".

في العراق عشرات الأشخاص أحيلوا إلى المحاكم وصدرت بحقهم أحكام متفاوتة، وكانت جريمتهم "إنشاء محتوى ذي توجّه موسيقي أو كوميدي"

في العراق حاليا عشرات الأشخاص أحيلوا إلى المحاكم وصدرت بحقهم أحكام متفاوتة، وكانت جريمتهم "إنشاء محتوى ذي توجّه موسيقي أو كوميدي"، وبعضهم بسبب تغريدة انتقدت نائب قائد وحدات الحشد الشعبي (المتوفى)، بينما لا يزال قاتل الناشط بحقوق الإنسان هشام الهاشمي، (اغتيل في يونيو/ حزيران عام 2020) موجوداً لدى جهة غير معلومة، بحسب وزير العدل العراقي، خالد شواني، في حين تؤكد مصادر أخرى أنه جرى إخفاؤه. تأجلت محاكمة قاتل الهاشمي، أحمد حمداوي عويد الكناني، وهو ضابط شرطة عراقي، ست مرّات، ولم يتدخّل لا رئيس الوزراء الحالي أو الذي سبقه، مصطفى الكاظمي. لماذا تتأجّل محاكمة قاتل اعترف في تسجيلٍ بثه التلفزيون بقتله الهاشمي، وأقرّ بأنه أطلق أربع رصاصات إلى خمس على الهاشمي من مسدّسه الحكومي؟ ثم لماذا لا يعلن اسم الجهة التي ينتمي لها الكناني والتي وصفتها السلطات العراقية بأنها "جهة خارجة عن القانون؟".

خلاصة ما ذكرته منظمة العفو الدولية أن "شعب العراق يستحقّ أكثر من مجرّد كلام فارغ ودورات لا تنتهي من الإساءات". وإن للسوداني فرصة كبيرة لإثبات حياديته الوطنية من خلال التركيز على إيقاف التجاوزات بحق الشعب ومحاسبة من يعمل على هدر كرامته وتسقيط هويته. وقد لا يبدو ذلك صعباً أو مستحيلاً، فيما لو امتلك الإرادة والشجاعة مستعيناً بطيفٍ واسعٍ من الجماهير العراقية والمنظمات الدولية. وبالتأكيد، بقيادات وطنية في القوات التي هو قائدٌ عام لها.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن