السياب والسبتي .. أي علاقة؟

السياب والسبتي .. أي علاقة؟

08 يوليو 2021
+ الخط -

يقول الشاعر الكويتي علي السبتي، الذي رحل منتصف الأسبوع الجاري عن 86 عاما، في قصيدته "فترة استراحة":

أحملُ في رأسي همومَ جيلين/ جيلٍ يكادُ يخطر العذاب

وآخرٍ تو ابتدا في سلَّمِ العذاب/ فهو يعيش نارين

نارَ انتظارهِ../ ونار أن تموتَ النارُ في التراب..

ومنذ ديوانه الأول "بيوت من نجوم الصيف"، والذي صدر في نهاية الستينيات، مع أن معظم قصائده كتبها قبل ذلك التاريخ بكثير، حتى ديوانه الأخير "وعادت الأشعار" وصدر في نهاية التسعينيات، ظل علي السبتي، رحمه الله، ذلك الشاعر الذي يحمل في رأسه هموم جيليْن، حتى بعد أن عايش أكثر منهما في سنوات عمره التي تجاوزت الثمانين بست سنوات. لقد بقي متأرجحا دائما في أفكاره وشعريّته ما بين جيلين يمرّ بينهما، ويحاول ألا ينتمي، لا في أفكاره ولا في قصائده، إلى أي منهما، لا حفاظا على نزعته الاستقلالية في فتراتٍ عايشها كانت تموج بالاستقطابات الفكرية والسياسية وحسب، ولكن أيضا لأنه، كما بدا لي من قراءة آثاره الشعرية، ظل حائرا في ما يمكن أن يكون عليه إنسانا وشاعرا في محاولاته الدؤوب، للبحث عن الذات بعيدا عن كل هؤلاء الذين وصفهم بقوله: "كلهم سفلة/ القتيل، ومن قتله".

كما يمكن إدراج علاقة السبتي الوثيقة بصديقه الشاعر الراحل بدر شاكر السياب، ضمن الأسباب التي قد تفسر حيرته بين جيلين دائما، وإنْ كان أثرا منقطعا!

وفي كتابي "حداة الغيم والوحشة" أشرت إلى شيء من تلك العلاقة، وأثرها في تجربتَي الشاعرين الكويتيين، علي السبتي ومحمد الفايز، ليس باعتبارهما من أقرب شعراء الكويت إلى السياب وحسب، بل أيضا أكثر من تأثر بتجربته التحديثية في كتابة القصيدة العربية. وقد تلاشى ذلك التأثر بعد رحيل السياب تقريبا، ولم تعد تظهر الأطياف السيابية في قصائد السبتي والفايز، بل لعلهما فضّلا العودة إلى القصيدة التقليدية في معظم ما نشرا لاحقا.

كتبت في الكتاب "الغريب، والذي لا يبدو متسقا مع تلك البداية الشعرية الجريئة للفايز والسبتي، ذلك الطور التقليدي التراجعي الذي انتهى إليه الشاعران، خصوصا في إصداراتهما الشعرية الأخيرة، فقد دأب الفايز، قبل رحيله بسنوات، على نشر قصائده في الصحافة اليومية بشكل يومي تقريبا، وعلى مدى فترة زمنية طويلة نسبيا، قبل إنشائهما مجموعات شعرية، مما يجعلنا نضع أكثر من علامة استفهام في نهاية رصدنا للمراحل الشعرية التي مر بها الشاعر الراحل، يجدر بدارسيه ـ إن وجدوا ـ البحث فيها. أما علي السبتي، فيكفي أن نقارن عنواني مجموعتيه "شاعر في الهواء الطلق" و"بيت من نجوم الصيف"، بعنوان مجموعته الأخيرة التي أصدرها بعد توقف طويل عن النشر، بعنوان "وعادت الأشعار"، لنكتشف ما يمكن أن نسمّيها بظاهرة التقهقر الشعري التي عانى منها السبتي، ومن قبله الفايز، وربما شعراء آخرون وإن بدرجات أقل".

ومع اكتمال التجربة الشعرية للسبتي الآن، وقبله بثلاثين عاما تقريبا للفايز، بالموت، سيكون من المناسب والملحّ جدا دراسة العلاقة بين ما تركاه لنا من آثار شعرية مع ما تركه السياب، رحمهم الله جميعا، فتلك العلاقة تبدو لنا، في قراءاتٍ متفرّقة وسريعة، أبعد من مجرّد تأثر تفرضه هيمنة السياب التجديدية على شعراء ذلك الجيل، خصوصا أولئك الذين قدّر لهم أن يقتربوا منه على النحو الذي اقترب فيه منه الفايز والسبتي في أيامه الأخيرة على فراش المرض في المستشفى الأميري في الكويت. وفي التاريخ الشعري للشعراء الثلاثة من الإثارة ما يجعله مغريا دائما للدراسة والبحث، بعيدا عن فكرة حجاب المعاصرة!

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.