لا عيد وغزّة هناك وحدَها

لا عيد وغزّة هناك وحدَها

11 ابريل 2024
+ الخط -

لا عيد... وغزّة ما زالت تعاني منذ ستة أشهر كاملة من القصف والقتل والتدمير والتجويع والتهجير. لا عيد... وغزّة ما زالت في محنتها الكونية وحدها بمواجهة آلة احتلال غاشم لا يريد سوى الدم، تسانده قوى عالمية منحازة للظلم ضد العدالة وللمحتلّ ضد أصحاب الأرض وللموت ضد الحياة! لا عيد... وغزّة عاصمة الضمير، تعاني من كل شيء وتقيم وأدها بكثير من المقاومة والصبر بما يتوفّر لها من وسائل. لا عيد... وأهل غزّة ما بين شهيد ومصاب ومعتقل ومفقود ومهجر وجائع وضائع... والعالم كله يشهد ولا يحرّك سوى القليل من سواكنه انتصاراً للمظلوم. لا عيد... وأهل غزّة وحدهم في الفراغ الهائل يقاومون من أجل البقاء على قيد الحياة والحرية والحق والأرض. لا عيد... والمعبر الوحيد المؤدّي إلى غزّة مغلق إلا قليلا، والذاهبون إليها عائدون قبل الوصول بالخيبة إلا قليلا.

لا عيد... والأنظمة التي كانت تتدثر ببيانات الشجب والتنديد والاستنكار وحدها كفّت حتى عن ذلك، وعادت لتواجه شعوبها باللامبالاة وكأن شيئاً لا يحدُث منذ ما يزيد على ستة أشهر!. العيد فرح ولا يمكن لمعنى الفرح أن يتكوّن في النفس، ونحن نرى كل هذا الدمار مستمرّا وبلا توقف.

أسر كاملة أبيدت. لم يعد يحمل اسمَها أحدٌ في غزّة على قيد الحياة، وأسر أخرى فقدت ما فقدت من أبنائها ودمّرت المنازل في كثير من مناطق قطاع غزّة ومدنه بالكامل. لا مأوى ولا سكن سوى خيام مهترئة لا تكاد تقي من شمسٍ أو مطرٍ أو رياح، وهي مع هذا لا تتوفّر للجميع.

كثيرون اضطرّوا للعيش في العراء أو فوق أنقاض منازلهم المتهدّمة وتحتها. وآخرون استغلوا كل ما يمكن أن يكون مأوى؛ بقايا مدارس، أجزاء من مساجد، جانباً من حديقة حيوانات، وحاويات كرتونية وغيرها.

ستة أشهر من الحرب المدمّرة أكلت كل شي تقريبا في غزّة، ولكنها لم تستطع أن تقترب من صبر الفلسطيني أو تفقده شيئاً من عزيمته القوية وإرادته الحرّة.

مشاهد لا تكاد تصدّق لولا أنها حقّ، تصوّر بشرا فقدوا كل شيء. ولكنهم مصرّون على الصمود والمقاومة واستدراج الفرح القليل بأبسط ما يتوفّر لهم. يعيدون تدوير المواد القليلة المتاحة بما يساعدهم على البقاء والصمود. يتقاسمون ما يصل إليهم من مساعدات قليلة من الخارج، يؤثرون على أنفسهم رغم ما بهم من خصاصة، ولا يتنازلون عن عزّة النفس ورباطة الجأش، وخصوصاً أمام أطفالهم الشجعان بدورهم والذين كبروا خلال الأشهر الستة سنواتٍ وسنوات، فلم يعودوا أطفالاً ولم تعد أحلامهم تنتمي لعالم الصغار!

عندما أشاهد بعض المقاطع الآتية من هناك، وفيها يحتفي أهل غزّة بالحياة رغم حالة الموات الشامل حولهم، أجدّد إيماني الكامل بانتصارهم أخيراً على المحتلّ الصهيوني، عاجلاً أم آجلاً. بل إنهم منتصرون فعلاً رغم كل شيءِ يحدُث لهم الآن. والمشاهد كثيرة؛ أطفال يتحلقون حول سيدة تعلمهم ما فاتهم من دروسٍ بسبب الحرب، جلوساً تحت أنقاض بيت من بيوت غزّة، آخرون يلعبون كرة قدم في ساحة مدرسةٍ لم يبق منها إلا جدران قليلة، مجموعة أخرى تحاول حفظ أجزاء من القرآن الكريم بإشراف شيخ فقد كل شي، وأقعى على ركبته لتحفيظ هؤلاء الأطفال ما يحفظه من آيات.

يحاولون أن تكون الحياة طبيعية وما هي بطبيعية. الحرب نقيضُ الحياة، وإن كانت ضرورة أحيانا، ولكنها في الحالة الفلسطينية قدرٌ وجودي لا فكاك منه حتى النصر الأخير ، وحتى العيد الحقيقي... قريباً بإذن الله تعالى.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.