الحرب وانكشاف التحيّز الغربي

الحرب وانكشاف التحيّز الغربي

21 مارس 2022

(ضياء العزاوي)

+ الخط -

أبرز سؤال يمكن طرحه في سياق فهم المجريات الظاهرة للحرب الأوكرانية الروسية: على الرغم من التعتيم والهيمنة الإعلامية الغربية المطلقة، لماذا نجد شعوبا عربية ومن العالم الثالث كثيرة تتضامن مع روسيا؟ فطريا من الصعب التضامن مع هجوم دولة قوية على دولةٍ جارة أضعف منها، ولكن هناك الذاكرة والنظرة الإنسانية الشاملة لدى الشعوب، الأمر الذي من الصعب تجاهله، ولا بد من الوقوف أمامه، فلا يمكن مثلا للذاكرة العربية أن تنسى بسهولة ذلك التدمير المنهجي الذي مارسته أميركا وبريطانيا ضد العراق. وعلى الرغم من انكشاف الحقيقة لاحقا، إلا أن تلك الدول المهاجمة لم تلاق أي تأنيب أو عقوبة حتى من الضمير الأوروبي نفسه، فما حدث في العراق ليس فقط  التدمير المباشر الرهيب، حين أغلقت جميع منافذ معلومات الحرب، وغطّيت سماء بغداد بآلات القصف العشوائي الذي خلف ضحايا مدنيين يصعب حصرهم، فواضحٌ أن قصدهم لم يكن معاقبة نظام صدّام الذي لا شك أنه اقترف إجراما بدخوله الكويت، ولكن القصد هو تدمير شعبٍ بأكمله وبكل الطرق، وليست تفاصيل ضحايا ملجأ العامرية بعيدة عن الذاكرة العربية، بل يمكن الحديث قبل ذلك، رغم خروج صدّام ونظامه من الكويت، عن الحصار الجائر للعراق الذي استمر عشر سنوات، وكان من ضحاياه المقصودين الشعب العراقي برمته، بمن فيهم أكثر من ثلثي أطفال العراق الذين ولدوا مشوهين في تلك الفترة. إلى جانب تلك اللامبالاة الواضحة التي يتعامل بها الغرب مع كل قضية عربية، وخصوصا في انحيازه الواضح لإسرائيل التي تفتك بالفلسطينيين كل يوم وأمام أنظار العالم من دون أن تنال، وهي الدولة العنصرية الدموية، أدنى عقوبات، أو جزءا يسيرا من تلك العقوبات التي فرضت على روسيا. 
من الصعب أن تغير مثل هذه التصرفات الفاضحة، والتي لا يمكن للإعلام الغربي أن يبثها مطمئنا لكي يكسب تعاطف شعوب العالم، وخصوصا شعوب العالم الثالث المقهورة، شيئا من الحقيقة الذاوية. ناهيك عن العنصرية الفاضحة التي تعاملت معها الحكومات الغربية مع العرب والأفارقة الذين كانوا مقيمين في أوكرانيا، وقد تحوّلوا فجأة إلى لاجئين لا حول لهم ولا قوة، ولكنهم يكتشفون أنهم مفصولون عنصريا قياسا باللاجئين من أصول أوروبية (الأوكرانيون وبعض الروس المقيمين في أوكرانيا)، ما يدلّ على تحيز غربي أصيل ومكشوف لفئةٍ إنسانيةٍ دون أخرى. لذلك سيكون حديث مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، ليندا غرينفيلد، مثيرا للسخرية، وهي تظهر، في كل مرة، متحدّثة عن الكوارث الإنسانية التي أحدثتها حرب روسيا على أوكرانيا، وكأن ما يفعله الكيان الصهيوني من جرائم مروّعه في حق الفلسطينيين يجب أن يُستثنى، أو كأنما العرب جنسٌ لا يصلح معهم غير القتل والتنكيل، في عنصريةٍ واضحةٍ تفضحها بين حين وآخر تصريحات لمسؤولين غربيين من هنا وهناك وفلتات ألسنتهم. 
كما أن برود الاستجابة الذي أبداه بعض الساسة، سواء عرب أو من العالم الثالث، كما فعل رئيس وزراء باكستان، عمران خان، حين صرّح رافضا طلب الغرب إدانة روسيا: "لسنا عبيدا عندكم"، في ردة فعل على البرود الذي كان الغرب يقابل به قضايانا العالم ثالثية، قياسا بما نراه من اهتمام كبير بالقضية الأوكرانية، حيث نرى مجلس الأمن يجتمع في أوقات متقاربة، وبعض المنظمات المفترض أنها أممية وإنسانية وليست فقط أوروبية، لم نرها من قبل تعقد اجتماعات، بربع هذا الاهتمام، حين تتعرض بلدان عربية وأفريقية ومسلمة لإبادة وتنكيل، السلاح والوقود في كثير منها من الغرب نفسه. 
أكثر ما عرّته هذه الحرب انكشاف المصلحة الغربية الذاتية في مقابل النظرة الإنسانية، وهذا لا يستثني حتى تعاملهم مع الغزو الروسي نفسه، لأنهم لم يبذلوا جهدا كافيا من قبل لمنعه، بل كانوا يدفعون، وما يزالون، إلى تأجيج الحرب، فأين هو الحب للشعب الأوكراني في هذه النقطة، حين تدفع دولة صغيرة لتصطدم بدولة أقوى منها بمراحل، ثم يأتي ما يمكن تسميته بكاء التماسيح، لأن ما نراه تأجيج للحرب. ومن يعلم، ربما من أجل كسب نقاط في أماكن أخرى، وليس بالضرورة في الساحة الأوكرانية الظاهرة أمامنا، وهو أمرٌ ربما ستكشف عنه مجريات الأيام المقبلة.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي