الحراك الشعبي العربي

الحراك الشعبي العربي... مطالب تُطابق الواجبات القانونية الدولية

14 ابريل 2024

أردنيون في مظاهرة لدعم غزّّة أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان (28/3/2024/فرانس برس)

+ الخط -

شهدت مختلف البلدان العربية، بما فيها الأردن، مصر، المغرب، العراق، اليمن، حراكاً شعبياً متضامناً مع فلسطين في الأسابيع الماضية، إذ هتف المشاركون وبعضهم يحيي بعضاً، داعين إلى توحيد موقف الشارع العربي بشأن القضية الفلسطينية. ولا شك في أن مطالب المتظاهرين تتشابه، فعلى سبيل المثال أعلن التجمّع الشبابي الأردني الداعم للمقاومة المطالب التالية: وقف تصدير الخضار وقطع الجسر البرّي إلى الصهاينة، ووقف اتفاقيات الغاز والمياه، وإسقاط اتفاقية وادي عربة، وقطع العلاقات مع العدو. في حين ركز المتظاهرون في مصر على طلب فتح معبر رفح وتسهيل عبور المساعدات الإنسانية.

وقد ردّت مختلف الحكومات على هذه التحرّكات الشعبية بالقمع، والتنكيل، والاعتقالات، وحملات التشكيك، ووجّهت الحكومات إلى النشطاء تهماً بالتحريض على الفتن ونشر المعلومات الخاطئة ودعم الإرهاب. ولتحقيق هذه الغاية، استخدمت الحكومات قوانين حديثة عن الجرائم الإلكترونية ومنع الإرهاب تخالف في قواعدها أسس المعايير الدولية لحقوق الإنسان بفرضها مفاهيم فضفاضة تسمح بتسييس تفسير القانون وتفضيل مصلحة الأنظمة الحاكمة على الحقوق الأساسية للمواطنين. وكان ضعف الموقف القانوني واضحاً في تردّد القضاة، إذ رفض بعضهم الانصياع لضغوط اختيار تفاسير غير منطقية تُجرم التضامن مع غزّة.

تتناسى الحكومات في ردودها على الغضب الشعبي مدى اتساق مطالب الشارع مع واجباتها القانونية الدولية. وغالباً ما تكون لغة القانون الدولي التي تسمو على القانون المحلي في معظم الدول قاصرة في التعامل مع الاستبداد الاستعماري. لكن الحال وصل، في بطش إسرائيل وتغير المناخ السياسي، إلى انقلاب الموازين واتساق مساعي ردع إسرائيل مع القانون الدولي.

قطع الصلات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل يمثل سبيلاً أساسيّاً لتحقيق الغايات الشرعية للشعب الفلسطيني

أولاً: أصبح من الواضح أن سياسات إسرائيل في فلسطين المحتلة هي تخطّ تاريخيٍّ للخط الأحمر لميثاق الأمم المتحدة المتمثل بـ "جرائم ضد السلام والأمن العالميين". تستفيد إسرائيل من حالة استثنائية دولية حان أوان انتهائها. فكما جادل الفريق الفلسطيني في المرافعات الشفهية والخطية أمام محكمة العدل الدولية في قضية الرأي الاستشاري بشأن الآثار القانونية لسياسات إسرائيل، والتي تقوم على أن دولة الاحتلال هذه تخرق ثلاث قواعد آمرة تشكل أعلى مراتب القواعد الدولية، وهي: حق الشعب في تقرير المصير، وتحريم أخذ الأراضي بالقوة، وتحريم أنظمة الفصل العنصرية. وكما أكّدت مقرّرة الأمم المتحدة للمناطق الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، أن سياسة إسرائيل هي سياسة استعمار استيطاني غير قانوني. وقد كان مسمّى الاستعمار الاستيطاني هو السائد في الأمم المتحدة لوصف المشروع الصهيوني في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، وكان الصهاينة يصفون أنفسهم بالمستعمرين في بداية القرن الماضي.

في مواجهة هذه الخروق الجسيمة للقانون الدولي، على الدول عدم الاعتراف بالآثار القانونية لهذه الخروق وواجب التعاون نحو إنهاء هذا الوضع غير القانوني، ومن حقّ الدول في هذه الحالة مقاطعة الدولة اقتصادياً أو قطع الصلات الدبلوماسية معها. بالإضافة إلى ذلك، على الدول واجب أخذ كل الإجراءات الممكنة لوقف الاستعمار وفقاً لسلسلة من القرارات الأممية في ستينيات القرن الماضي. علماً أن هذه الإجراءات لا تتضارب مع قواعد منظّمة التجارة العالمية التي تسمح بالاستثناءات في حالات معيّنة.

ثانياً: أعلنت محكمة العدل الدولية في قضية جنوب إفريقيا مقابل إسرائيل تفعيل اتفاقية منع الإبادة التي توجب على الدول منع الإبادة وعدم دعم الإبادة أو المشاركة فيها. وفي هذا الشأن، كانت المحكمة فقد أكّدت في قضية الإبادة في البوسنة والهرسك أن واجب الدولة بمنع الإبادة يمتد إلى كل الإجراءات التي تقع ضمن قدرتها على التأثير على إرادة الدولة المرتكبة الجُرم، ويمتد هذا الواجب ليشمل ممارسة النفوذ من خلال الصلات السياسية والمادية وأي صلاتٍ أخرى. ومن جانب آخر، ترتكز قضية نيكاراغوا ضد ألمانيا على هذا الأساس، فتتّهم نيكاراغوا ألمانيا بمخالفة واجبها الدولي بمنع الإبادة من خلال توفير الدعم الاقتصادي والسياسي لإسرائيل.

تحرير الشعب الفلسطيني وتعويضه ومحاسبة إسرائيل مصيرٌ لا نقاش في أحقيّته وحتميّته

 

عند تقييم هذه الواجبات الدولية، نستخلص أن واجب قطع الصلات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل يمثل سبيلاً أساسيّاً لتحقيق الغايات الشرعية للشعب الفلسطيني. وتتّضح أهمية هذه الواجبات عند دراسة تاريخ الاستعمار، فمثلاً لم تخرُج فرنسا من الجزائر إلا بعد أن أصبح استعمارها الجزائر غير مستدام اقتصادياً وسياسيّاً بفعل مقاومة الشعب الجزائري. وكان للمقاطعة السياسية والاقتصادية دور رئيسي في إنهاء حكم الأقلية العنصرية في جنوب أفريقيا.

في الثالث من إبريل/ نيسان الجاري، دعمت كل من الأردن ومصر والمغرب والعراق والامارات واليمن قراراً لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة يوضح هذه الواجبات بلغة واضحة وقوية، ويؤكّد الواجبات الدولية للدول، ويدين القمع والتنكيل ونشر المعلومات الخاطئة في حيز التضامن مع فلسطين. فهنا نلاحظ امتداد حالة انفصام عربيّة تزين موقفاً خارجياً متعاطفاً لا يعكس ممارساتها الداخلية ولا خيارتها الجيوسياسية.

تحرير الشعب الفلسطيني وتعويضه ومحاسبة إسرائيل مصيرٌ لا نقاش في أحقيّته وحتميّته. وكما يبيّن التاريخ، بغض النظر عن التكتلات السياسية، ستنقلب الآية ضد المستعمر في نهاية المطاف. لا يعطينا القانون الدولي سبيلاً للتحرير، ولكن في ظلّ رفض الحكومات سلسلة الجدالات الواضحة لضرورة الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني القائمة على الواجب الوطني والتاريخي والبشري والمعنوي والضرورة الجيوسياسية والواضحة وضوح الشمس، لعل وعسى أن استخدام لغة القانون الدولي التي يدافع عنها الأوصياء الغربيون لهذه الحكومات تلعب دوراً حاسماً أمام القضاة وصنّاع القرار المتردّدين في زمن الإبادة.

شهد الحموري
شهد الحموري
أكاديمية أردنية، أستاذة قانون دولي في جامعة كينت. ولها مؤلفات في اقتصاد الحروب والقانون الدولي. عملت مستشارة وباحثة في القانون الدولي لدى عدة مؤسّسات ومنظمّات.