البرهان بين إخفاق الداخل السوداني ومخاطبة الحلفاء

البرهان بين إخفاق الداخل السوداني ومخاطبة الحلفاء والشركاء

06 ابريل 2022

البرهان والسيسي يستعرضان حرس الشرف في القاهرة (30/3/2022/الأناضول)

+ الخط -

ضمن جولة زيارات خارجية، شملت خمس دول، زار رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان القاهرة، أخيرا، بهدف دعم الشركاء والحلفاء الإقليميين، السعودية والإمارات، بالإضافة إلى دول الجوار، مصر وجنوب السودان وأوغندا. ويمكن رؤية الزيارات ضمن محاولات تعويم منظومة الحكم الغارقة في المشكلات، ووسط مشهدين متشابكين: تصاعد الضغوط الخارجية والداخلية، والفشل في إدارة المشهد السياسي، مع عجز عن تفكيك الأزمة الاقتصادية، بعد وعود بالدعم من "أصدقاء السودان" لم تُترجم إلى أفعال ملموسة، وأمام هذا الإخفاق ليس أمام البرهان إلا إعادة طلب دعم اقتصادي وسياسي من الرعاة، ومحاولة خلخلة مشهد الأزمة بالاستعانة بهم لتخفيف الضغوط الخارجية والأزمة الاقتصادية. وفور عودته من القاهرة، وخلال خطاب في استاد الكلية الحربية (السبت 2 إبريل/ نيسان)، صعّد البرهان من لهجته تجاه الوساطة الأممية، في خطوةٍ مضمونها الأساسي دفاعي، وهدّد بطرد ممثل الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس حال استمرار تدخله في الشأن الداخلي، وذلك أمام حشود تهلّل وتكبر، بينما يصطفّ خلفه قادة الجيش والشرطة. ولم يكن تهديد البرهان مجرّد ردّ على خطاب بيرتس في مجلس الأمن (28 مارس/ آذار)، والذي حذّر فيه من "انهيار اقتصادي وأمني ومعاناة إنسانية كبيرة"، وطرح عودة الحكم المدني بديلا.

يشكّل الخطاب الشعبوي للبرهان فى الاستاد قرارا بالتصعيد ضد الوساطة الأممية، ومواجهة الضغوط الخارجية، وهو نتيجة شعوره بدعم إقليمي لهذا المسار. وهذا الموقف، الذي يرتدي زيا وطنيا، مغاير لما سبق، وإن أعلنه مجلس السيادة من قبول وترحيب بالوساطة الموكلة من مجلس الأمن، وضمن مهامها، بطبيعة الحال، تيسير الحوار بين السلطة والقوى السياسية، وما يستدعيه ذلك من اتصالاتٍ بالقوى السياسية، فيما يتهم البرهان اليوم الوسطاء، محل الترحيب سابقا، بالتدخل في الشأن الوطني. وهذا يؤشّر إلى أن مجلس السيادة، بقيادة البرهان، ماض في طريق الانفراد بالحكم، وتدعم هذا الخيار مؤشّرات عدة.

تصاعد الضغوط الخارجية والداخلية، والفشل في إدارة المشهد السياسي، مع عجز عن تفكيك الأزمة الاقتصادية

وفي ما يخص زيارة القاهرة تحديدا، وقد تناولتها وسائل الإعلام المصرية بوصفها تعمّق العلاقات الثنائية وتبحث القضايا المشتركة، فإنها تركّز على ثلاثة ملفات أساسية، أزمة سد النهضة والقضية الليبية ودعم العلاقات الاقتصادية، إلا أن اللقاء، وضمن ما هو معلوم بالضرورة، وإن كان ضمن الوظائف الكامنة، لا يسلّط عليها الضوء إعلاميا، تأتي الزيارة ضمن سياق جولات البرهان وأهدافها، وتهدف إلى تقوية جهود الرعاة لدعم منظومة الحكم بقيادة الجيش، والتي ثبت إخفاقها منذ انقلاب 25 أكتوبر في إدارة المشهد السياسي، وتفكيك الأزمة الاقتصادية وتوسيع مظلّة الحكم بشكل ينتج استقرارا سياسيا. وأمام الإخفاق، يبحث البرهان وشركاؤه عن دعم فاعل، ومساندة تنتشل منظومة الحكم من أزمتها.

وجاء البيان الختامي المصري السوداني مليئا بعباراتٍ عاطفية، تؤكّد على الأخوة المتينة والأزلية بين الشعبين والبلدين، مستخدما مفاهيم القرابة المتخيّلة والحقيقة، كالقول "استقبل الرئيس السيسي أخاه الفريق البرهان"، أو التركيز على البنية والروابط الاجتماعية كطريق للوصل السياسي، ودعم التعاون "الحكومي والشعبي"، وكذلك الالتزام بمسؤوليات متبادلة، تنتجها بنية اجتماعية تقابلها أدوار، كالقول "التزام مصر برعاية الجالية السودانية في بلدها الثاني، في ظل صلات الدم والرحم الممتدة في أعماق التاريخ". الخطاب بهذه البنية اللغوية، والمرتكزات الاجتماعية، غير معتادة، وتوظف المفاهيم المرتبطة بعلاقات الحدود والجوار والإقليم وعلاقات الدم محدّدات سياسية، تقوي أشكال التعاون بين سلطتين. وتقف خلف هذه اللغة محاولات ترميم ما نتج من أزمة إغلاق معبر أرقين الحدودي، والمستمرة آثارها. كما يهدف البيان إلى التأثير على الساحة السودانية، للحدّ من هجوم على القاهرة، تصاعد بعد 25 أكتوبر، وانطلق من رؤية لنخب سودانية تعتبر القاهرة طرفا في الصراع، وداعمة مجلس السيادة، غير مرحبة بوصول قوى مدنية إلى الحكم.

صعّد البرهان من لهجته تجاه الوساطة الأممية، في خطوةٍ مضمونها الأساسي دفاعي

وترتكز مصالح القاهرة مع البرهان خلال هذه المرحلة في عدة نقاط، أبرزها توسيع الشركات الاقتصادية، والتنسيق في أزمة سد النهضة، في ظل توقف المفاوضات وانتظار جولة مفاوضاتٍ جديدة، واستعداد إثيوبيا لملءٍ ثالثٍ لبحيرة سد النهضة، إضافة إلى قضايا وملفات تتعلق بالأمن الإقليمي والحدود، ومنها دور مصري في ضمان أمن البحر الأحمر، ومنطقة القرن الأفريقي، بما فيها من سد الطريق أمام وجود قواعد عسكرية تهدّد الأمن المصري ومنطقة الخليج. وهذه القضية، بجانب منع تجدّد الصراع المسلح واستقرار ليبيا، تفرضها مصالح مصرية سودانية، وتشارك فيها أطراف دولية وإقليمية. ويشتبك الملف الأمني مع زيارتي البرهان إلى السعودية والإمارات، كما تتشارك الخرطوم ملف التعاون الاقتصادي والأمني مع القاهرة. أما جوبا فتستعد الخرطوم لتعاون اقتصادي معها مع إكمال اتفاقيات السلام. وكمبالا كانت محطة التطبيع السوداني الإسرائيلي في عنتيبي، وعقب زيارة البرهان لها بأيام، قدم إلى الخرطوم وفد عسكري إسرائيلي، وليس أيضا من قبيل المصادفات.

ونظرا إلى تعدّد وتشابك الملفات التي ناقشها البرهان في جولاته الخمس، استدعى ذلك وجود مكوّنات من الحكم في الوفد السوداني، وزير الاقتصاد، ومدير جهاز المخابرات الذي عيّن في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وعمل سابقا في إدارة المخابرات الخارجية والأمن الاقتصادي، فضلا عن صلاته بالقاهرة منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. وتحمل جولة الزيارات أهدافا رمزية، منها التأكيد على مهام تمثيل الدولة خارجيا، وأن منظومة الحكم قادرة على اتخاذ القرار، ورسم السياسات في مواجهة عجز الداخل وضغوط الخارج، وتمثل سلطة شرعية. وتعتبر الزيارة فرصة لتماسك مكوّنات الحكم، وقدرتها على العمل الجماعي، في ظل مخاوف من حدوث شروخٍ حال استمرّت ضغوط الأزمة.

أمام الإخفاق، يبحث البرهان وشركاؤه عن دعم فاعل، ومساندة تنتشل منظومة الحكم من أزمتها

ويبدو أن البرهان اختار أن تكون القاهرة محطّة لعرض تطوّرات الوضع ونتائج جولاته السابقة ومناقشتها مع السيسي في اللقاء المنفرد بينهما، وفي إطار البحث عن حلولٍ تضمن تهدئة الوضع، وما إذا كانت القاهرة قادرةً على توجيه الدعم عبر وساطتها واتصالاتها مع جامعة الدول العربية والأطراف الدولية والإقليمية (التقى فولكر كلا من الأمين العام للجامعة ووزير الخارجية المصري). وفي كل الأحوال، عدم الاستقرار واستمرار الصراع في السودان، وما يُنذر باحتمالات خطرة، عوامل تشكّل وضعا مقلقا للقاهرة، حتى وإن كانت تنحاز للمكوّن العسكري، فإن مصالحها تدفعها إلى حلحلة الأزمة. وفي السياق، ليست مصادفةً، ولا تغيرا في موقف القاهرة الرافض أنشطة سياسية سودانية معارضة، أن يسمح بعقد مؤتمر سياسي حاشد للحزب الاتحادي في القاهرة، وأن تطرح خلاله مبادرة للحوار، تشارك فيه أحزابٌ ونخب وأن يتزامن المؤتمر (يوم الخميس 31 مارس/ آذار) مع زيارة البرهان الذي حرص على لقاء الزعيم التاريخي للحزب الاتحادي محمد عثمان الميرغني.

إجمالا، يعلن البرهان رفضه الضغوط الخارجية والداخلية، وأنه لن يسلّم السلطة إلا بتوافق سياسي وانتخابات، ويهدّد المبعوث الأممي بالطرد، في لغةٍ تمثل تصعيدا، وتشير إلى خيار البرهان البقاء في السلطة، ولا تغير يرجى، ولا مؤشّر بعيدا عن سياق الانفراد بالحكم. ولا تعد مقابلة البرهان فولكر (الأحد 3 إبريل/ نيسان)، واستعداد الأخير لمراجعة ما ورد في إحاطته مجلس الأمن، تراجعا عن رفض ضغوط الوسطاء الدوليين، رغم ورطة حقيقية للبرهان الذي اختار التحصّن بالحلفاء الإقليميين، وصناعة حوار وطني يرضيه، والانفراد بالحكم، وتهميش المعارضين ومواجهتهم، على الأقل في الفترة الانتقالية، والتي ستكتب الكلمة الأخيرة، موازين القوة خلال الفترة المقبلة. وهذا مرهونٌ، بشكل أساسي، بتفاعلات داخلية، وليس وحسب بدعم خارجي للبرهان أو ضغوط تمارس ضدّه.

D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".