الأموال السورية المنهوبة .. كيف ومتى؟

الأموال السورية المنهوبة .. كيف ومتى؟

08 نوفمبر 2020
+ الخط -

كان شريك بشار الأسد وقريبه، التجاري السابق، رامي مخلوف، قد ظهر في عدة فيديوهات، تناقلتها منصّات الميديا الشعبية والرقمية، وبدا فيها كمن طارت ثروته كلها في ليلة عاصفة، رجلٌ منكسر يزخر حديثه بمفردات تقية كثيرة، وهو يشكو من ظلم أحاق بأعماله، وملاحقاتٍ قامت بها السلطات لمشاريعه التجارية والصناعية.. لم يعطِ تفصيلاتٍ كثيرة، ولكن الأحداث التي ظهرت على العلن بيَّنت أن الشراكة التي أُبرمت منذ عشرين عاما أصابها التصدّع، وأصبح مخلوف خارج نطاق اللعبة، فوضعت حكومة النظام يدها على ممتلكاته، ونبذته بعيدا عن دوائر النظام المقرّبة. وقَّع كل قرارات المنع والحجب والاستيلاء مسؤولون حكوميون من درجات منخفضة الرتبة، من دون أن يظهر بشار الأسد أو زوجته في الصورة، على طريقة الرأس الكبير في العصابات المنظمة التقليدية الذي غالبا ما يرتدي قفازاتٍ سميكة، عندما يريد حرق واحدةٍ من أوراقه الخاسرة. وهذا بالضبط ما جرى لرامي مخلوف، وبدت آثاره على سحنته المتألمة، وفي سطور رسائله على "فيسبوك" وهو ينعى مجده الضائع.

قرّر بشار الأسد، قبل أيام، الظهور في مقطع مصوّر نشرته وكالة أنباء النظام، وهو يزور معرضا متواضعا للمنتجين في دمشق. ومن هناك يرد على شريك الأمس الذي كاد النسيان أن يطويه، في ضوء متغيرات بزوغ نجم أسماء الأسد، وهي الوجه المحتمل لخلافة مخلوف، مع ملكيةٍ كاملةٍ للأسهم والحصص. ووسط تجمع من شبابٍ يرتدون قمصانا قطنية بيضاء، تتوسطها أعلام وشعارات يصدرها النظام، ويظهرون بوصفهم أصحاب مشاريع متوسطة، يتحلقون حول الرئيس وزوجته، لتلقي النصائح والإرشادات، في هذا الجو الزاخر بالابتسامات المتكلفة والمدروسة، يتحدّث بشار الأسد، بطريقةٍ غير مسبوقة، عن أزمة نظامه المالية والاقتصادية التي تطحن السوريين. برَّأ قانونَ قيصر والعقوبات الغربية، وأرجع الأزمات الاقتصادية والمعيشية إلى وجود مقدار ضخم من سيولته المالية في المصارف اللبنانية التي تحفَّظَتْ عليها بعد اندلاع احتجاجاتٍ شعبيةٍ في الشوارع اللبنانية. وظهر بشار كما المحاسب السيئ، حيث قدّر الأموال العالقة في مصارف لبنان بين 20 مليار دولار و42 مليار دولار، لكنه كان واثقا عندما أكد أن بعض السوريين قد أودعوا هذه الأموال في تلك المصارف.

لم يعترف أي مسؤولٍ للشارع السوري سابقا بأن هنالك أموالاً سورية في مصارف لبنانية، ولا يعرف أحد مقدارها. ولكن الشارع على دراية تامة بالخلاف المالي الذي طفا بين بشار وقريبه. وها هو يدرك اليوم أن في مصارف لبنان مبلغا هائلا عالقا بحسابات الأسواق السورية. لم يتابع بشار الأسد الشرح عن كيفية تسرّب هذا المبلغ إلى مصارف دول مجاورة، وعن السبب في تحويلها إلى هناك، وما هو عيب المصارف السورية، حتى يُضنّ بهذه الأموال عنها، لكنه، أي الأسد، ظهر مكشوفا وعاريا بسرده خفايا وأرقام وأساليب تعامل مالي، كانت معرفتها في السابق حكرا عليه، وعلى شركائه الماليين الذين فاجأتهم أزمة لبنان المصرفية، لتحبس السيولة عنهم، وتتركهم يتخبطون حتى يظهر الخلاف بين الشركاء.

بعد أزمة إمبراطورية مخلوف، تخلّص الأسد من شريكه، ودخلت زوجته على الخط، وقد ظهرت في المقطع المصوّر إلى جواره، وهي تهز رأسها موافقةً على تحليلاته وأرقامه، بوصفها داعما وشريكا مستقبليا، ولأن العمل الذي تقوم به العصابة الحاكمة شموليٌ يضم جميع مرافق الدولة. ظهرت الأزمة بسرعةٍ في الشوارع، فانتشرت طوابير الذل في كل مكان، وتهاوت الليرة. وفي خطوة لاجتراح حلول تتناسب مع الوضع المالي والمعاشي المنهار، تغيرت الحكومة، وتم إدخال أربعة عشر وزيرا جديدا في حكومة حسين عرنوس الجديدة، معظمهم على تماسٍّ مع الوضع الاقتصادي للدولة. ومن خلال هذا الإجراء، يُنتظر أن تُعتمَد خطة نهب جديدة، يتم فيها اختيار مصارف "آمنة"، ليست كالتي وثق بها مخلوف، وأضاعت عشرات المليارات.