إيران و"مقامرة" ترامب

إيران و"مقامرة" ترامب

29 نوفمبر 2020
+ الخط -

لم يكن توقيت اغتيال العالم الإيراني، محسن فخري زادة، والطريقة التي نفذ بها، اعتباطياً أو مفصولاً عن الحديث خلال الأيام الأخيرة عن مغامرة، أو مقامرة، قد يُقدِم عليها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخاسر في الانتخابات، قبل مغادرته البيت الأبيض، وخصوصاً أنه لا يزال غير قادر على الاعتراف بهذه الخسارة.
تسريبات كثيرة نشرت قبل أيام، وتحديداً بعد اقتراب ترامب من التسليم بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، أشارت إلى أن ترامب طلب من مسؤولي وزارة الدفاع دراسة استهداف منشآت نووية إيرانية، وهو ما قوبل برفض من القادة العسكريين الأميركيين. لكنّ هذا يبدو أنه لم يقنع الرئيس الساعي إلى توريط خلفه، وبات يبحث عن ذريعةٍ لتنفيذ ما يدور في رأسه، وهو ما يبدو يجري بالتنسيق مع إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو، الخائفة أساساً من الطريقة التي يمكن أن يتعامل بها جو بايدن مع إيران، وما إذا كان سيلجأ إلى إعادة العمل بالاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب. الأمر الذي يوحّد أهداف ترامب ونتنياهو في قطع الطريق على بايدن في إعادة التواصل مع إيران، أو توريطه في صراع عسكري معها.
الذريعة قد تكون عبر استفزاز إيران، وإجبارها على ردة فعل تفتح الباب أمام تدخل أميركي مباشر أو تنفيذ ضربة عسكرية كبيرة على غرار اغتيال قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني الماضي. اغتيال محسن زادة يقع ضمن هذه الخانة، إذ إن الأخير لا يقل عن سليماني أهمية بالنسبة إلى المشروع النووي الإيراني، فهو كان يشغل منصب رئيس منظمة البحث والابتكار في وزارة الدفاع الإيرانية، وسبق أن ذكره نتنياهو بالاسم في خطاب عن برنامج إيران النووي في شهر مايو/ أيار عام 2018. إضافة إلى أهمية الشخصية، فإن طريقة تنفيذ الاغتيال من المفترض أن تثير الحفيظة الإيرانية، خصوصاً أنه لم يأت عبر تفجير، كما كانت تجري عمليات الاغتيال السابقة لعلماء إيرانيين، بل بهجوم مسلح على أطراف العاصمة الإيرانية طهران. هجوم نفذه مسلحون، يبدو أنهم أخذوا كل وقتهم في تنفيذه، خصوصاً وسط المعلومات التي نشرت عن استهداف سيارة الإسعاف التي حاولت نقل فخري زادة، والذي لم يمت مباشرة بالرصاص الذي استهدف سيارته. هذه الحرية في تحرّك منفذي الاغتيال، وإن صحّت الاتهامات أنهم تابعون للموساد، تؤشّر إلى مدى هشاشة المنظومة الأمنية الإيرانية، ومستوى الاختراق الذي تمكنت منه إسرائيل للداخل الإيراني، الأمر الذي من شأنه أن يستدعي ردّة فعل من قادة الجمهورية الإسلامية، لإعادة الاعتبار إلى ما كان يعتبر "قبضة حديدية" للنظام الأمني في الداخل، وهو ما يبدو أن المنظومة المنفذة للاغتيال تراهن عليه.
اللافت أول من أمس كان دخول ترامب بشكل مباشر على خط الاغتيال، عبر إعادة تغريد تغريدة لصحافي إسرائيلي حول العملية، والتي ذكر فيها الصحافي أنّ فخري زادة "كان رئيس البرنامج العسكري السري لإيران وكان مطلوباً لسنوات عديدة من الموساد"، وأن "وفاته ضربة نفسية ومهنية كبيرة لإيران". خطوة ترامب جاءت وكأنها تسعى إلى تأكيد الدور الإسرائيلي في عملية الاغتيال، وأن هذا "الإنجاز" جاء بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، على الرغم من رفض وزارة الدفاع (البنتاغون) التعليق.
الترقب اليوم هو لردة الفعل الإيرانية، وإلى أي مدى قد تذهب إيران بعيداً في "إعادة الاعتبار"، وهو ما يترقبه ترامب، وهو ما جعل إسرائيل تعلن حالة الاستنفار في كل سفاراتها في الخارج. لا شك في أن إيران تحتاج إلى رد ما على الجريمة، لكنها تدرك في الوقت نفسه ما يدور في رأس ترامب، وأي مقامرة يرغب بها في نهاية ولايته، وتعلم أيضاً أن هناك فرصة كبيرة لإعادة إحياء الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات التي أرهقت طهران، مع تولي بايدن الرئاسة. الأمر الذي قد يجعل من الرد الإيراني مؤجلاً، أو محدوداً عبر وكلاء، في العراق على سبيل المثال، من دون المخاطرة في منح الذريعة التي يريدها ترامب.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".