إدارة أميركية جديدة بخطاب قديم

إدارة أميركية جديدة بخطاب قديم

28 مايو 2021
+ الخط -

من نافلة القول أن قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم تكن من أولويات الإدارة الأميركية الجديدة، لا خلال الحملات الانتخابية، ولا خلال المائة يوم الأولى من عمر إدارة الرئيس جو بايدن. بل إن الرئيس الذي تولى قيادة البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني الماضي لم يتصل بأي من القادة في إسرائيل أو السلطة الفلسطينية إلا أخيرا، وقد انكبّ على معالجة ملفات داخلية ساخنة وعاجلة، من ترميمٍ أروقة البيت الأبيض ومؤسسات صنع القرار التي خرّبها الرئيس المنصرف دونالد ترامب، إلى مواجهة وباء كورونا وملفات الإصلاحات الاقتصادية والرعاية الصحية والمناخ وتطوير البنية التحتية، مروراً بمعالجة ظواهر تنامي العنصرية والتصدّعات في المجتمع الأميركي، والتي تجلّت بصورة مرعبة في اقتحام الكونغرس في يناير الماضي. كما لم تكن القضية الفلسطينية أولوية على جدول السياسة الخارجية لإدارة بايدن التي حدّدها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، مطلع مارس/ آذار الماضي، بثماني "أولويات عاجلة"، في مقدمتها العلاقات مع الصين، التي خصّها ببند مستقل، باعتبار هذا البلد الند المزاحم للولايات المتحدة، و"التحدّي الجدّي للنظام الدولي". وظهرت أولويات إدارة بايدن العالمية جلية في "الدليل المرحلي لاستراتيجية الأمن القومي"، التي صدرت عن البيت الأبيض، وحدّدت الأولويات الثماني: جائحة كورونا، والركود الاقتصادي، وتراجع الديمقراطية في العالم، وموضوع الهجرة، والتنافس التكنولوجي، وتجديد التحالفات، وسخونة المناخ، إضافة إلى ملف إيران النووي.

ولأن السياسة مثل الرمال المتحركة، لا ثابت فيها إلا المتغير، فقد كانت 11 يوماً من المواجهة بين إسرائيل والشعب الفلسطيني داخل كل مناطق الاشتباك في فلسطين، كفيلة بإحداث انقلابٍ في أولويات إدارة بايدن التي وجدت نفسها مجبرةً على الانخراط في قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإيفاد وزير خارجيتها، في جولة شرق أوسطية مكوكية في المنطقة، سعياً إلى تحريك مياه عملية السلام الراكدة منذ سنوات طويلة. ولأن تحرّك الوزير بلينكن لم يكن ذاتياً، بل مُكرهاً بفعل إنفجار المواجهات بين الإحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني على أكثر من جبهة، وبأكثر من شكل، يحق لنا النظر إلى هذا التحرّك بريبة، على الرغم من تصريحات الرئيس بايدن التي اعتبرها بعضهم انعاطفة مهمة في موقف واشنطن، ولا سيما وهو يتحدّث عن حقوق متساوية للإسرائيليين والفلسطينيين، ذلك أن هذا الكلام المعسول، أو الخالي من الدسم، لم يرافقه أي تراجع عن خطوات خطيرة اتخذتها إدارة ترامب، وتتعارض كليا مع سياسة الحزب الديمقراطي الأميركي، كنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بالمدينة عاصمة موحدة لإسرائيل، وشرعنة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، وضم الجولان السوري المحتل.

وعلى الرغم من لمسات إنسانية طغت على تصريحات المسؤولين الأميركيين، فاقت الأبعاد السياسية الجوهرية، إلا أن دبلوماسية بلينكن لم تنجح في تضليلنا عن ثلاثة أهداف، تجلت واضحة في جولته في المنطقة: أولاً، إنقاذ إسرائيل من نفسها بعد انفجار المواجهات مع مكونات الشعب الفلسطيني على امتداد خريطة فلسطين، من عكا إلى الخليل ومن رفح إلى رام الله. ثم محاولة إجهاض الانتصار الفلسطيني والالتفاف عليه بتفكيك الوحدة الفلسطينية الجغرافية والديمغرافية غير المسبوقة في التاريخ الحديث. والعودة بالقضية الفلسطينية إلى مجرّد ملفات منفصلة مع الحرص على التعامل مع كل ملف من زوايا حقوقية وإنسانية، وتهميش جوهر الصراع المتمثل بالاحتلال وسياسات إسرائيل العدوانية. كما لم تخفَ نزعة الإدارة الأميركية لإعطاء جرعة حياة جديدة لسلطة الرئيس محمود عباس، الذي تضاءلت شرعيته الشعبية، ولم يتمكّن من تجديد شرعيته الانتخابية، بعد إلغائه الانتخابات العامة التي كان مقررا إجراؤها في 22 مايو/ أيار الحالي، ثم تزايد شعبية منافسته، حركة حماس، التي عزّزت مكانتها زعيمة للمقاومة ضد إسرائيل ومدافِعة عن حقوق الفلسطينيين في القدس المحتلة.

معالجة الإدارة الاميركية الجديدة قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمقاربات قديمة ومستهلكة لا يُنتظر منها سوى تأجيل جولة المواجهة المقبلة بضعة أشهر في أفضل الأحوال.

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.