أميركا والانتخابات الفرنسية

أميركا والانتخابات الفرنسية

24 ابريل 2022
+ الخط -

منذ قدومه إلى البيت الأبيض، احتفظ جو بايدن بعلاقاتٍ متوازنةٍ مع فرنسا بقيادة إيمانويل ماكرون، وتعاون معه في ترميم العلاقات الأميركية الأوروبية، بعدما أصيبت بشيءٍ من الخلل في أثناء رئاسة ترامب بتوجهاته الكارهة للتجمعات الدولية، ونفوره من حلف الناتو، والعلاقة الغامضة التي ربطته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أما بايدن فقد سعى أمام لحظة أوكرانيا إلى بناء تحالفٍ قويٍّ في مواجهة روسيا، وهو دأب أميركا التقليدي لحلّ مسائلها الخارجية، فقد حرصت سابقاً على ألّا تتحرّك إلّا مع حلفائها، كحربيها في أفغانستان وفي العراق وغيرهما، والأزمة الدولية الحالية لا تشذّ عن التقليد الأميركي، فبايدن لا يدّخر جهوداً في ضم أكبر عدد من النظم السياسية إلى صفه للوقوف بجانب أوكرانيا وبشكل أساسي ضد بوتين.

الحليف الفرنسي اليوم أمام مواجهة انتخاباتٍ أحد طرفيها مرشحةٌ تستخدم التحريض الشعبي بشكل كبير، ورغم تعديلاتٍ ظهرت عليها أخيراً وكأنّها نسخة مطوّرة عن حالها في الانتخابات السابقة، فإنّ معظم السياسات العامة التي تؤمن بها ما زالت على ما هي عليه، فهي غير مقتنعة بالاتحاد الأوروبي، وهذه ثقةٌ مفرطةٌ بالنفس لا تضع اعتبارات التاريخ في الميزان، خصوصاً تاريخ ما قبل الحرب العالمية الثانية، ما يعرّض التحالف الألماني الفرنسي الوثيق إلى الوهن، وهو التحالف الذي يشكّل عموداً فقرياً في أي تجمّع أوروبي مثمر، ولديها موقفٌ خاصٌّ من حلف الناتو، وقد وعدت ناخبيها بالانسحاب من القيادة الموحدة للحلف، وقالت إنّها غير مضطرّة لزجّ فرنسا في صراعاتٍ لا طائل منها. أما الأكثر خطورة فهو أنّها تجد في شخصية مثل بوتين حليفاً سياسياً محتملاً، وكان ماكرون قد أشار، في مناظرته معها، إلى ميلها هذا، وذكّر بمبلغ يعادل 9.1 ملايين يورو كانت تلقته في عام 2014 من بنك روسي لتمويل حملات حزبها في انتخابات البلدية. وصرّحت علناً عن إعجابها بـ"القيصر" وعللت ذلك بأن جاك شيراك نفسه قد منحه وسام جوقة الشرف، ونيكولا ساركوزي باعه سفينتين حربيتين من صناعة فرنسية متطوّرة.

قد يعرقل فوز مارين لوبان في الانتخابات الفرنسية الجهود التي يبذلها بايدن لاستمرار (وتوسيع) التحالف الذي يقوده لمواجهة روسيا، فالاتحاد الأوروبي كيان مهم في تطبيق العقوبات على روسيا، ويعدّ نافذة روسية يحرص بايدن على إغلاقها لإحكام الطوق حول بوتين، ولوبان لا ترغب في تشديد العقوبات لتشمل النفط والغاز، فهي، كما قالت، لا تريد رؤية الفرنسيين يعانون من قلّة مصادر الطاقة. وتنظر إدارة بايدن إلى الاتحاد الأوروبي كياناً ذا أهمية خاصة، وتدعم وجوده، وترغب في تعزيزه والإبقاء عليه قوياً، فهي تعتقد أنه يمكن أن يشكّل معادلاً سياسياً واقتصادياً ضمن احتمال قيام تحالف صيني روسي يمكن أن يلعب دوراً في تخريب الحضور الأميركي العالمي في حال غياب اتحاد أوروبي فعّال. لذلك قد تجد إدارة بايدن في فوز لوبان خسارة كبيرة، رغم أنّ هذه الإدارة كانت قد وضعت حكومة ماكرون في موقفٍ حرج، حين انتزعت منها عقد الغواصات في أستراليا، لكنّها أظهرت، منذ ذلك الوقت، ودّاً أكبر نحو فرنسا، حرصاً منها على تجاوز تلك الأزمة.

يتحدّث الواقع عن تقدّم ملحوظ للرئيس ماكرون على غريمته القومية، ومن غير المتوقع أن يحصل "الزلزال" المتمثل بفوز لوبان، لكن باستقراءٍ لصعود ذلك الحزب واستمرار النضوج في التربة الملائمة له، نجد أنّ لوبان كانت قد نافست ماكرون في الانتخابات الماضية، وفي التي سبقتها حازت المركز الثالث، بما يتجاوز 17%. أما انتخابات 2007 فكان والدها جان ماري في المركز الرابع. هذا الاطراد في التقدّم، وإن كان بطيئاً، لكنّه متزايد، ويمكن أن يعطي مؤشّراً إلى حدوث ذلك "الزلزال" في الانتخابات المقبلة أو التي تليها.