أخطاء السلطة ومعارضيها

أخطاء السلطة ومعارضيها

20 فبراير 2024

(كمالا إسحق)

+ الخط -

يتصيّد المعارضون السياسيون للحكومة العراقية الأخطاء والهفوات والتناقضات لغاية محدّدة؛ إضعاف مصداقيّة الحكومة، ودفْع الناس إلى التفكير، مستقبلاً، بالبديل عنها أو عن الأحزاب التي شكّلتها، في الانتخابات المقبلة. وقد يتمنّى كثيرون من هؤلاء المعارضين، إن كانوا شخصيات أو أحزاباً وجماعات سياسية، أن تغرق الحكومة بالأخطاء، وأن تفشل، أو، لا سمح الله، تحدُث كارثة ما تُسقط مصداقية الحكومة إلى الحضيض.
لا أتمنى هذا، لأنّ المتضرّر من فشل الحكومة (الحالية أو السابقة أو اللاحقة) هو المواطن، ويُفترض أن يكون الحريص على مصالح بلده راغباً بالنجاح لأي طرفٍ سياسيٍّ يتولّى المسؤولية، حتى لو كان يتعارض مع توجهاته الفكرية، لغاية إسعاد المواطنين وراحتهم. والتاريخ السياسي المعاصر يعلّمنا، في أكثر من تجربة، أنّ الحكومات تفشل أو تنجح، لأسبابٍ موضوعية، وليس استجابة لدعاء المعارضين لها!
كانت الحكومة الأولى لمهاتير محمّد، رئيس وزراء ماليزيا في 1981، في مرمى سهام القوميين الملاويين والإسلاميين واليساريين، واتُّهم بالديكتاتورية وأنه محافظ في توجّهاته، وما إلى ذلك، ولكنه نجح، وصار أهم شخصيةٍ في تاريخ ماليزيا المعاصر، ونقلها من دولة زراعية إلى دولة متقدّمة تشكل الصناعة والخدمات 90% من ناتجها القومي السنوي.
سيقوم التاريخ بالمراجعة، ويتخفّف من أعباء الأحكام الانفعالية المرتبطة بصراعات الراهن، ليطلق حكمه القاسي لصالح هذا السياسي أو ذاك. ولن يكون (هذا السياسي أو ذاك) موجوداً حينها ليضيّق الخناق على "التاريخ"، أو يرسل إليه شاباً على درّاجةٍ ناريةٍ وفي يمينه سلاح كاتم.
يسعى المعارضون السياسيون إلى الكشف عن عورات الحكومة لأنهم ينافسونها وأحزابها على السلطة ومنافعها وامتيازاتها، بينما الحياة أوسعُ من تنافس المتنافسين، وهناك مواطنون يمثلون وجهات نظر مختلفةٍ عن السلطة ومعارضيها، ولعل هؤلاء المواطنين يريدون "مصلحة البلد"، ولا يهمّهم من يجلس وراء المقود، المهم أن تكون الرحلة آمنة، وأن تصل إلى غاياتها المرصودة. وحينما يوجّهون نقداً للحكومة أو يحاولون كشف صورة غائبة عنها، فلا همّ لهم ولا طمع بمنافع السلطة أو أعبائها، ولا يريدون انتزاعها من أحد وإعطاءها لأحد آخر.
أما أسوأ عادات السلطة، وهذا ما تكرّر للأسف كثيراً، هي أنّها لا تستطيع الردّ على الخصم السياسي، لأن الردّ مكلف، فتذهب لتبطش بمدوّن أو صحافي، يردّد رأياً مُنتقداً، أو تختلق عدواً وهمياً وتنسب إليه هذا المدوّن أو الصحافي، فتحقّق إنجازاً وانتصاراً بملاكمة بين صفوف المتفرّجين لا في حلبة النزال الأصلية!
عدم التمييز، أو التعامي، يجعل السلطة تفشل في تحديد أعدائها الحقيقييّن، فمنع الناس من التكلّم عن الأخطاء لا يجعل الأخطاء تختفي، وإن لم يتكلّم المواطن اليوم، فلديه ذاكرة، وسيتكلّم غداً.
العدو الحقيقي للسلطة تلبّس الوهم، وعدم رؤية الوقائع الفعلية، أو التهوين من التحدّيات، والادّعاء أن التغييرات الشكلية يمكن أن تغطي المشكلات العميقة وقتاً طويلاً، ربما حتى انتهاء عمر الحكومة، وتسليم كل التركة من المشكلات إلى الحكومة اللاحقة.
العدو الحقيقي للسلطة هو الانشغال باستهداف من ينتقدها أو محاولة إسكاته، بالرغم من أن الدستور يضمن حقّ الكلام ويحمّل الحكومة، ومؤسّسات الدولة بشكل عام، مسؤولية حماية حقّ الكلام. لأن الكلام والآراء المختلفة هو ما يثري عمل المؤسّسات ويجعل إخفاء الأخطاء تحت السجّادة صعباً، وبالتالي يحرّض الجميع على العمل بشكل صحيح، وتحفيز من يتولّى المسؤولية على الإنجاز لا الطمطمة أو بناء قصور من رمال.
أما أسوأ أخطاء المعارضة فهو ارتياحها إلى الحقيقة التي فرضها الأمر الواقع بأن حرّية التعبير والكلام حقّ حصري للأحزاب والتيّارات السياسية، إن كانت بالحكومة أو المعارضة، وليس للمواطنين جميعاً. أسوأ ما ترتكبه المعارضة أنها لا تكترث بحقّ الكلام للجميع، إلا إذا كان يخدم غايتها باستهداف من في السلطة.

أحمد سعداوي
أحمد سعداوي
كاتب وروائي عراقي