الحكومة الكازاخية: مغازلة القوميين بلا مساس بالحقائب السيادية

الحكومة الكازاخية الجديدة: مغازلة القوميين بلا مساس بالحقائب السيادية

16 يناير 2022
جندي كازاخي في ألماتا (بافل بافلوف/الأناضول)
+ الخط -

بعد احتواء الاحتجاجات الرافضة لارتفاع أسعار الغاز وما ترتب عليها من أعمال الشغب، تواجه الحكومة الكازاخية الجديدة ورئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، مجموعة من التحديات الصعبة، بدءاً من منع تجدد الغضب الشعبي، وبناء نظام سياسي جديد بعد إبعاد الرئيس السابق نورسلطان نزارباييف عن المشهد السياسي، وإثبات عدم التبعية لموسكو، على ضوء الدور المحوري لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في استعادة النظام.

ومن اللافت أن الحكومة الجديدة لا تختلف كثيراً عن سابقتها، من جهة الإبقاء على الوزراء المسؤولين عن "الحقائب السيادية"، أي الخارجية والدفاع والداخلية والطوارئ، أو تعيين نائب رئيس الوزراء، عليخان سمايلوف، رئيساً للوزراء خلفاً لسلفه المقال عسكر مامين.

وفي أول كلمة له أمام الحكومة الجديدة، يوم الخميس الماضي، حدد سمايلوف مهامها بإخراج البلاد من أزمتها والارتقاء بمستوى معيشة السكان ومواصلة النمو الاقتصادي ومواجهة وباء كورونا.

مفاجآت حكومية

 


ومع ذلك، لا تخلو التشكيلة الجديدة للحكومة من بعض المفاجآت مثل تعيين المدون، الصحافي القومي المناهض لروسيا، عسكر عمروف، وزيراً للإعلام، مما أثار حفيظة موسكو التي كان لقواتها ولدعمها الدور الحاسم في احتواء الأزمة الأخيرة.

وعلى مدى السنوات الماضية، عُرف عمروف بدعواته إلى إغلاق وسائل الإعلام الناطقة باللغة الروسية في كازاخستان، وإلى عدم الاحتفال بذكرى النصر على النازية (9 مايو/أيار من كل عام)، المنبثقة عن انتصار الاتحاد السوفييتي على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ومناهضة كل ما هو يتعلق بروسيا.


يسعى توكاييف الآن لخلق ائتلاف واسع حوله يضمّ مختلف القوى السياسية

وفي هذا الإطار، أرجع مدير "مجموعة الخبراء السياسيين" (منظمة روسية تضم عدداً من الخبراء والمحللين والمستشارين السياسيين)، قسطنطين كالاتشوف، قرار توكاييف، تعيين عمروف وزيراً للإعلام، إلى سعيه لإثبات عدم تبعيته لموسكو، من دون أن يستبعد احتمال إبعاد الوزير القومي عن المشهد فيما بعد.
وقال كالاتشوف، في حديثٍ مع "العربي الجديد": "يسعى توكاييف الآن لخلق ائتلاف واسع حوله، يضمّ مختلف القوى السياسية، خشية من تأنيبه بسبب الاستنجاد بمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وتجنباً لانتقادات القوميين لحصوله على الشرعية من منظمة معاهدة الأمن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا من سكان كازاخستان".

ورأى أن "تعيين عمروف سيمنع الانتقادات خلال الفترة المقبلة". وأشار كالاتشوف إلى أن الأمر يعني "إظهار الاستقلالية عن روسيا وعدم الرضوخ لموسكو وإعلاء كازاخستان فوق كل شيء. ليس في متناول توكاييف ألا ينصت في الوقت الحالي للقوميين، فخصومه الذين نظموا أعمال الشغب استندوا بشكل واضح إلى قسم المجتمع من أصحاب التوجهات القومية. ويبدو أن توكاييف يعتبر أن الخيار الأكثر عقلانية هو جر القوميين إلى صفه، ولو كرفاق طريق على الأقل".

ومع ذلك، شكك كالاتشوف في إطالة أمد بقاء عمروف في منصبه بعد تعزيز توكاييف مواقفه داخل البلاد.

 

قوة نزارباييف

 

بدورهما، اعتبر الخبيران بمركز "كارنيغي" في موسكو، تيمور عمروف وألكسندر غابويف، أنه لا تنتظر توكاييف سنوات هادئة في حكمه، بعد شطبه نزارباييف من السياسة وهدمه نظام الحكم السابق وبدئه بناء آخر خاص به.

ووصفا ذلك بأنه مهمة صعبة، بسبب عدم حصول الرئيس الجديد على النفوذ وعدم جمعه نخبا موالية له وانعدام ثقته في ولاء الأجهزة الأمنية له حتى الآن.

وفي مقال بعنوان "توكاييف والأسرة وأفراد القوة. كيف سيصبح النظام في كازاخستان بعد الأزمة؟" نُشر في موقع مركز "كارنيغي"، أول من أمس الجمعة، رأى كاتباه أن التهدئة الحالية هي مجرد بداية لعملية طويلة الأجل وغير قابلة للتنبؤ لتغيير السلطة في كازاخستان، إذ "لا يمكن سحب نزارباييف من المنظومة السياسية الكازاخية التي بناها، بهذه السهولة".


الثورات لا تنتصر دائماً وفق نموذج ثورة البلاشفة

من جهتها، لفتت صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الروسية الموالية للكرملين، إلى أن الثورات لا تنتصر دائماً وفق نموذج ثورة البلاشفة التي أنهت حكم قياصرة آل رومانوف في عام 1917، وإنما أيضاً على غرار ثورة عام 1905، حين لم تتغير السلطة العليا في الإمبراطورية الروسية، ولكنها قدمت تنازلات هامة للشارع المنتفض.

واعتبرت الصحيفة أنه على الرغم من إمكانية الإقرار بصمود السلطة في كازاخستان، إلا أن كازاخستان ليست نفسها قبل الاحتجاجات، إذ نفذ توكاييف عدداً من مطالب المحتجين، مثل خفض أسعار الغاز بصورة حادة، عن طريق فرض حظر مؤقت على زيادة أسعار عدد من فئات السلع والخدمات.

يذكر أن الاحتجاجات وأعمال الشغب التي اندلعت في كازاخستان مطلع العام الجديد، على خلفية زيادة أسعار الغاز للسائقين، أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى واعتقال الآلاف، ونهب المتاجر والمصارف ومكاتب البريد، واقتحام مؤسسات الدولة ومديريات الشرطة.

وعلى الصعيد السياسي، أدت الأزمة الأخيرة إلى إقالة الحكومة وإبعاد نزارباييف، الملقب بـ"زعيم الأمة" والذي استمر في الحكم حتى عام 2019، عن السلطة بشكل نهائي، بعد تولي توكاييف رئاسة مجلس الأمن خلفاً له.