توطين الأخلاق البيئية

توطين الأخلاق البيئية

08 أكتوبر 2020
خسر السودان 100 مليون فدان من الغابات بانفصال الجنوب (غايل كلوريك/ Getty)
+ الخط -

وجدناهم يلهجون بالشكر للغريب الذي تكفّل بتمويل عملية توسعة حفير القرية (بحيرة صناعية تُحفر في مسارات الرعاة، فتحفظ مياه الأمطار طوال العام) ممولاً ومشرفاً على استقدام الفنيين والآليات من المدينة وإعادتهم. وقالوا عنه إنّه كريم وصاحب حس إنساني عالٍ، وقد بات يسعدهم في مجيئه ورواحه، ويوظف بعض شبابهم في قطع وتحميل الأخشاب من الغابات حول الوادي شمال القرية.
من اليسير أن يوصف أحدهم ببلوغ درجة خُلقية محددة يراها فيه الناس، لكنّ الأمر يصبح مختلفاً إن قارنّاه بتعامله مع البيئة من حوله. فكم كان سهلاً أن نرصد في وجه ذلك الشيخ رفضاً للأمر، وقلة حيلة أمام هذا الرضا. لم يدرك أولئك أنّ هذا الرجل سيتسبب في ردم حفيرهم بالرمال بعد سنوات قليلة، فقد هجم بلا وازع على تلك الغابات المنسية، والبعيدة عن عيون الرقابة، ولم يترك فيها شجرة واقفة.
تقول الإحصاءات إنّ الغابات كانت تغطي 40 في المائة من مساحة السودان، خسر منها مائة مليون فدان بانفصال الجنوب. وظلت الغابات تتناقص حتى بات يقول البعض إنّها أصبحت أقل من 10 في المائة بسبب القطع الزائد عما تسمح به درجة الإحلال. 
أراد شيخ رافض من القرية نفسها أن يستجلي الأمر من السلطات المعنية، لكنّه فوجئ لدى زيارته المدينة بذلك الرجل يجلس إلى جانب مسؤول الغابات في أريحية واضحة، فأدرك أنّه لا يمكن التدارك، فالمرء قد يصل إلى أهدافه إن عرف كيف يسكّن في داخله الوازع ويلجمه حين يقنع أنّ من حقه الأخذ ما دام يعطي في مقابل ما يأخذه.
العطاء هنا ثلاثة أنواع، أولها التغطية على الفعل، وهو عطاء معلن كالذي قام به الرجل تجاه أهل القرية. وثانيها عطاء التقنين في مقابل السماح بتخطي القانون الذي وضع للحديث بالإنابة عن مكونات البيئة التي لا صوت لها. وثالثها هو أن تأخذ بقدر ما تعطيك الطبيعة على ألا تتعدّى على حقوق الأجيال المقبلة، بل أن تزرع بقدر ما تأخذ، إذ لن يضيرك شيء إن قمت بنثر البذور مكان الأشجار المقتلعة، فقط نثْرها وستتولى الطبيعة بنفسها النمو.
إن أراد ذلك الرجل أن يردم الحفير لتصدّى له أهل القرية بكل ما يتأتى لهم من قوة، لكنّه ساعدهم في توسعة الحفير علناً، في الوقت الذي يعمل فيه سراً ومن دون دراية على دفنه تحت الرمال بفعل الطبيعة.

موقف
التحديثات الحية

لماذا يغالي الإنسان في طلب من أو ما يلبي كلّ احتياجاته بغض النظر عن حاجة الآخر نفسه؟ ولن تجد من يبادر لمحاسبة نفسه، فذلك أمر عسير، والشاهد أنّ الدول العظمى ما لبثت أن تنصلت من تعهداتها بالعمل وفق الاتفاقيات التي تؤكد مغالاتها في إهلاك البيئة... ألسنا في حاجة ماسة لتوطين الأخلاق البيئية؟
*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون