كلّنا "عشرة عبيد زغار".. ولا نعرف هويّة شوقي شاهين

كلّنا "عشرة عبيد زغار".. ولا نعرف هويّة شوقي شاهين

29 يوليو 2014
+ الخط -
مسلسلاتٌ كثيرة خلال شهر رمضان أسرت المشاهدين: "صاحب السعادة" و"سرايا عابدين" و"لو"... وغيرها الكثير مما يصادفكَ حين تزور أحداً أو تقلّب بين المحطّات هرباً من الإعلانات أو بحثاً عن مشهد يأسرك. في تلك اللحظات تروح تفتّش عن فخّ ليليّ تقع فيه سعيداً، لكنك غالباً لا تجد شيئاً، فتهرب إلى قنوات الأفلام.

وحدَه مسلسل "عشرة عبيد زغار" أسرني. هذا رغم أنّ العمل وقعَ في أخطاء واضحة. يستيقظ الممثلون، في قصر على جزيرة معزولة، مهدَّدين بالموت، بقمصان مكويّة وشعر ممشّط وماكياج كامل. وأداء معظمهم غير مقنع. فمشاهد الخوف تبدو أحيانا مضحكة. ومشاهد القتل تبدو مُغضِبة. فكيف يذهب أحد الأبطال إلى الحرش وحده في حين أنّ قاتلا طليقاً يتجوّل بين القصر والحرش؟

المسلسل أسرني رغم أنّني لم أشاهد نسخته بالأبيض والأسود، تلك التي عُرِضَت في السبعينيّات، ولم أكن قد وُلِدتُ بعد. ولا شاهدت الإعادات في الثمانينيّات وربما في التسعينيّات. لكنّني أعرف أنّ القصّة من تأليف الكاتبة الشهيرة آغاثا كريستي، وخلاصتها أنّ مجهولاً يدعو 10 أشخاص، من مهنٍ وخلفيات مختلفة، إلى قصر على جزيرة معزولة، ويبدأ مسلسل قتلهم واحداً تلو الآخر، عقاباً لهم على جرائم ارتكبوها، وعجز القضاء عن إثبات ارتكابهم لها.

وهم العشرة، عبيدٌ لشهواتهم، بين المال والجنس والحبّ والثأر والكراهية، وصغارٌ أمام العدالة التي قرّر شوقي شاهين، المجهول في النسخة اللبنانية الجديدة، أن ينفّذها بيده. 

ربّما هي آغاثا كريستي، أو ما تبقّى منها بعدما حوّرَ الكاتبُ الجديد طوني شمعون (قل: معالج النصّ الأصلي وليس الكاتب) والمخرج إيلي حبيب القصّة الأصلية. وربّما هو شعور المشاهد بالتطابق مع فكرة "الصيد" التي يتعرّض لها أبطال المسلسل. لكن في الحلقات الأخيرة بدت الأمور أكثر وضوحاً.

إذ لا يمكن فصل ما نشاهده عمّا نعيشه: المراهقون يحبّون أفلاماً عن المراهقين، والأطفال لا تستهويهم إلا القنوات المخصّصة لهم، الخالية من "الكبار". وحين يكبرون يريدون أفلاماً عن الحبّ، وحين يكبرون أكثر يريدون أن يشاهدوا أفلاماً عن الحياة الزوجية والخيانات ربّما.

هكذا يحبّ كلّ منّا أن يرى نفسه في ما يشاهده. وربّما لهذا كان كثيرون يتابعون "عشرة عبيد صغار"، ليس فقط ليعرفوا من هو "المجهول" شوقي شاهين الذي يقتل أبطال المسلسل واحداً واحداً، وليس فقط ليعرف إذا كان واحداً من العشرة أو هو واحدٌ من خارجهم. بل ربّما لأنّنا كلّنا نعيش هذا الدور: دور ذاك الذي ينتظر موته ولا يعرف هويّة القاتل، ويشكّ بكلّ من حوله.

فكلّ لبناني وسوري وفلسطيني وعراقيّ وبحريني وتونسيّ وليبيّ... وكلّ عربيّ ربّما معرّض للموت في أيّ لحظة، تفجيراً بسيّارة مفخّخة في بيروت، أو رمياً برصاص داعشيّ في العراق، أو ببرميل أسديّ في حلب، أو برصاص مجهول في ليبيا، أو بصاروخ إسرائيليّ في غزّة، أو برصاص في الضفّة... أو أو أو، لكن عقاباً على ذنوب لم يرتكبوها.

وحدَه مسلسل "عشرة عبيد زغار" يمكن أن يأسرَكَ من حلقته الأولى إلى تلك الأخيرة. فلا تفوّت حلقة أو دقيقة. ففي كلّ مشهد ستبحث عن نفسكَ، تحت درج القتل، أو في نظرة صديق يتحيّن الفرصة لقتل صديقه، أو في لحظة غرام قد تنتهي بجريمة، أو في نوم متقطّع خوفاً من ذبح بلا سبب، أو في "كزدورة" في الحرش قد تنتهي بشنق مفاجئ.

وحدَه مسلسل "عشرة عبيد زغار" كان المرآة الأكثر وضوحاً. وحدَه كان المرآة.

المساهمون