الرحبانيان وفيروز: بصمة فنيّة احترافيّة مع الأغاني القصيرة

الرحبانيان وفيروز: بصمة فنيّة احترافيّة مع الأغاني القصيرة

09 أكتوبر 2014
سجلت إذاعة دمشق في 1952أول أغنية احترافية للسيدة فيروز(Getty)
+ الخط -
قدمت إذاعة صوت الشعب السورية في الحادي والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2010 برنامجاً خاصاً بمناسبة مرور خمس وسبعين سنة على ميلاد نجمة الألفيتين الثانية والثالثة السيدة فيروز. بهذه المناسبة أجْرَتْ مذيعة البرنامج حديثاً هاتفياً مع الموسيقار إلياس الرحباني.
هذا الحديث الهاتفي رجع بذاكرتنا- نحن المستمعين- ستين سنة إلى الوراء، تحديداً إلى سنة 1952، حينما سجلت إذاعة دمشق أول أغنية احترافية للسيدة فيروز، بعدما أمضت زمناً وهي تغني بوصفها هاوية.
كان إلياس الرحباني فتى يافعاً، رافق شقيقيه عاصي ومنصور والسيدة فيروز والفرقةَ الموسيقية في رحلتهم إلى الشام، وبالتالي فهو يعرف الكثير عن تلك الرحلة. ولكي تتمكن مذيعة البرنامج من فتح ثغرة في ذاكرته، فقد طلبت منه أن يرافق المستمعين الأكارم في الاستماع إلى مطلع الأغنية المقصودة، وهي بعنوان غيرة وهذا مطلعها:
"سمعتْ الجيران بيقولو/ يمكن يكون عم يضحك عليها/ وعينك تشوفْ الليل بطولو/ ما نشفت الدمعة بعينيها".
من خلال هذا المقطع الغنائي القصير، يمكننا أن نلاحظ أن الأخوين الرحباني ومعهم السيدة فيروز، قد باشروا بتغيير النمط السائد في الغناء العربي، الذي اشتغل عليه عباقرة الموسيقا الكبار في مصر أساساً، وإلى حد ما في سورية ولبنان.
كان النمط السائد قبل التجربة الرحبانية يعتمد على الأغاني الطويلة زمنياً، وتتراوح مددها بين ربع الساعة والساعة الكاملة، ويمكن أن تزيد عن الساعة في بعض أغاني أم كلثوم، بينما الطول الكامل والنهائي لأغنية "غيرة"، على سبيل المثال، هو ستُّ دقائق وبضعُ ثوان. بمعنى آخر: إن أسلوب الرحابنة في التأليف والتلحين والتوزيع والغناء يعتمد على الإيجاز والقصر. من جهة أخرى، يثبتُ لنا، بالدليل القاطع، أن أهمية النص الإبداعي تأتي - عند الرحابنة - من أهمية مكونّاته، وليس من كثرة هذه المكونات، وتَشَعّبها، وطول شرحها.
هذا النظام، أقصد نظام الأغنية القصيرة، السريعة الموجزة، التي قلما يحصلُ فيها إعادةٌ أو تكرار، استمر عليه الرحابنة إلى آخر العمر، حتى إن (أغنية حامل الهوى تعبُ) التي أخذها الأخوان الرحباني عن قصيدة لأبي نواس، وغنتها فيروز مع وديع الصافي بطريقة الديالوج، كان طولها الكامل، النهائي، دقيقة واحدة فقط: "حاملُ الهوى تعبُ/ يستخفُّهُ الطربُ/ إن بكى يحقُّ له/ ليس ما به لعبُ/ كلما انقضى سببٌ/ منكِ عاد لي سببُ/ تعجبين من سَقَمي/ صحتي هي العجبُ/ تضحكينَ لاهيـةً/ والمحبُّ ينتحبُ".
وأغنية في (قهوة عالمفرق) التي لحنها الأخوان الرحباني بالاشتراك مع إلياس الرحباني، كان طولها دقيقتين وستاً وثلاثين ثانية فقط، بينما أغنية (خذني بعينيك)، وهي أطول أغانيهم، فكانت مدتها نحو ثلاث عشرة دقيقة.

مقطع من النص:
طالت نوىً وبكى من خوفه الوترُ
خذني بعينيك واغرُبْ أيها القمرُ
لم يبق في الليل إلا الصوتُ مرتعشاً
إلا الحمائمُ إلا الضائعُ الزَّهَرُ

المساهمون