- المعرض "الماضي المتشابك" يستكشف الانحيازات العنصرية وآثار الاستعمار في تاريخ الأكاديمية، مع أكثر من 100 عمل فني يجمع بين الأعمال الاستعمارية وتجارب فنانين من أصول أفريقية وآسيوية.
- يبرز المعرض أعمال باربرا ووكر التي تعيد تمثيل السود في الأعمال الكلاسيكية، ومنحوتة تافاريس ستراشان المستلهمة من "العشاء الأخير"، وعمل كارا ووكر الذي يصور أيادي سوداء تغرق سفينة عبيد، مسلطاً الضوء على تأثير الاستعمار والعنصرية.
الأكاديمية الملكية للفنون في لندن واحدة من بين أعرق المؤسسات الفنية في أوروبا. أسس هذه الأكاديمية الملك جورج الثالث، عام 1768، بهدف دعم فنون الرسم والعمارة. وتبنّت منذ إنشائها منهجاً صارماً للتدريب اعتمد منذ البداية على رؤية للفن تتوافق مع المعايير المستلهمة من فنون عصر النهضة، أو ما سُمي بقواعد الذوق الرفيع. وافترضت هذه القواعد أن النموذج المثالي للجمال يتمثل في العرق الأبيض وحده.
والمعرض الذي تستضيفه الأكاديمية الملكية للفنون حتى 28 من إبريل/ نيسان المقبل تحت عنوان "الماضي المتشابك" Entangled Pasts، لا يُنقب عن أثر هذه الانحيازات العنصرية فحسب، بل يعترف ضمنياً بانحراف هذه الرؤية التي اعتمدت عليها هذه المؤسسة العريقة.
أنشئت الأكاديمية الملكية للفنون في ذروة تجارة بريطانيا، عبر المحيط الأطلسي، بـ"العبيد" الأفارقة. في هذا الوقت، كان التوسع الاستعماري البريطاني في ازدياد، وكان لا بد لهذه الأجواء الاستعمارية أن تنعكس على أعمال هؤلاء الفنانين، وعلى رؤيتهم للشعوب الأخرى.
في الأعمال الفنية التي تعود إلى تلك الفترة، غالباً ما كان يظهر الأشخاص ذوو البشرة الداكنة تابعين. أما الأعمال القليلة التي تجاوزت هذا الحضور الهامشي لسكان المستعمرات، فلم يكن يُعتد بها أو يتم التعامل معها بجدية.
يجمع المعرض جانباً كبيراً من هذه المعالجات ويناقش تأثيرها على المجتمع، كما ينقب كذلك عن تلك الأعمال القليلة التي احتلت فيها الشخصيات ذات البشرة الداكنة مكان الصدارة في أعمال الفنانين.
إلى جانب هذه الأعمال الكلاسيكية، ثمة مجموعة أخرى من التجارب المعاصرة لفنانين من أصول أفريقية وآسيوية. يضم المعرض أكثر من 100 من الأعمال التي تراوحت بين النحت والتصوير والرسم والتركيب.
يقول القيمون على المعرض إن الهدف الواضح لهذا العرض هو استكشاف مدى عمق تغلغل آثار الاستعمار في ماضي الأكاديمية الملكية للفنون.
بين الأعمال المعروضة، تقدم الفنانة البريطانية باربرا ووكر معالجاتها البصرية تحت عنوان "نقطة التلاشي". تعالج الفنانة في هذه الأعمال مدى وضوح الشخصيات الأفريقية في الأعمال الكلاسيكية للفنانين الغربيين.
تهتم ووكر بتمثيل السود في أعمالها، وتستكشف الأساليب التي شكلت بها المؤسسات الفنية رؤيتنا للفن، وتعيد رسم بعض الأعمال الكلاسيكية التي تحتوي على شخصيات أفريقية هامشية.
في هذه اللوحات، تهمّش الفنانة الشخصيات الرئيسية عبر تحييدها لونياً، في حين تبرز الشخصية الهامشية بتأكيد تفاصيلها. تقول ووكر: "هذا ما يراه الأفارقة اليوم في هذه الأعمال، هم لا يرون سوى أنفسهم وقد أقصوا عن المشهد، أنا فقط أمنحهم الفرصة للظهور".
يضم المعرض أيضا، مجموعة من أعمال البورتريه التي رسمها فنانون خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لشخصيات سوداء، وهي نماذج استثنائية ونادرة. أغلب هذه الأعمال لشخصيات مجهولة باستثناء بعض الأسماء المؤثرة التي هُمّشت عمداً.
من بين الأعمال المهمة هنا، لوحة للشاعر والكاتب البريطاني تشارلز إغناطيوس سانشو، وهو من أصول أفريقية، وكان شخصية بارزة في المجتمع الثقافي البريطاني خلال القرن الثامن عشر. رسمت هذه اللوحة عام 1768، وهو العام الذي تأسست فيه الأكاديمية الملكية.
يستكشف القسم الأخير من المعرض موضوع "عبور المياه"، في إشارة إلى الرحلة القسرية للأفارقة المستعبدين عبر المحيط الأطلسي، واستحضاراً كذلك للرحلات الخطرة التي يخوضها المهاجرون اليوم.
يبرز هنا عمل الفنانة الأميركية كارا ووكر، وهو من سلسلة "أرض غير مأهولة في مياه مجهولة". في هذا العمل، نرى أيادي سوداء عملاقة تمتد من أعماق البحر لتغرق سفينة مُحملة بالعبيد، في حين تصارع امرأة مجهولة الأمواج في يأس.
أخيراً، تبقى منحوتة الفنان الأميركي تافاريس ستراشان واحدة من بين العلامات المهمة في هذا المعرض، وهي مستلهمة من عمل ليوناردو دافنشي "العشاء الأخير" أحد أشهر الأعمال الكلاسيكية في تاريخ الفن.
تحتل المنحوتة فناء الأكاديمية، وتستقبل الزائرين بهيئتها المهيمنة المكونة من اثني عشر شخصية تاريخية من أفريقيا.
تلتف الشخصيات المصنوعة من البرونز الأسود حول طاولة كبيرة مُزينة بطريقة مُشابهة لبوابات الدخول في الأكاديمية. وتأكيداً لهذا الميل الزخرفي، طُليت بعض الشخصيات بأوراق الذهب، في مبالغة متعمدة للفت الانتباه، في مواجهة التمثال البرونزي القريب لأحد مؤسسي الأكاديمية الملكية السير جوشوا رينولدز.