"اتهام"... يفوّت فرصة غزو المحروسة لبنانياً

"اتهام"... يفوّت فرصة غزو المحروسة لبنانياً

09 اغسطس 2014
مشهد من "اتهام" بطولة ميريام فارس
+ الخط -

شهد الموسم الرمضانيّ 2014 انتقال نجوم مصريين وسوريين إلى لبنان للمشاركة في مسلسلات أساسُها حكايات لبنانية أو تعتمد على فضاء لبنانيّ الحكاية، هي "اتهام" و"كلام على ورق"، و"لو" ، و"عشق النساء"، وغيرها على نحو أوحى بأن صحوة درامية يشهدها الإنتاج المحلي، ستدفع بالمسلسل اللبناني إلى المنافسة العربية، بعيداً عن سوقه المحلية.

إلا أن حسابات الحقل لم تنطبق على حساب البيدر، وها هو موسم الحصاد لا يأت بجديد، فما هو كشفَ عن نجم لبناني غير تلك الوجوه المكرّسة ولا دفعَ بالمسلسل اللبناني إلى الواجهة. في أفضل أحواله، راوح في المكان نفسه الذي توقف فيه مسلسل "روبي" كدراما تصلح أن تكون بديلاً لمسلسل تركي، لكنها لا تكرّس حضور المسلسل اللبناني ضمن قائمة المسلسلات الرمضانية على الفضائيات العربية، وفي منافسة الدرامات المصرية والسورية والخليجية.

تحتلّ الفضائيات اللبنانية، من حيث العدد والمتابعة، المرتبة الثانية بعد الفضائيات الخليجية على هوى الريموت العربي، وقد دخل عددٌ منها إلى خط الإنتاج الدرامي، ولا نحتاج إلى براهين للحديث عن كفاءات فنية لبنانية على صعيد التمثيل والإخراج. في وقت كان يرى البعض فيه أن علّة الدراما اللبنانية تكمن في افتقارها إلى الموازنات الإنتاجية التي تعطيها حقها، بدأنا اليوم نرى إنتاجات درامية ضخمة.

لكن المسلسل اللبناني، أو مسلسل الحكاية اللبنانية ظلّ يدور في دوائر مفرغة، بل جاءت أعمال مثل "اتهام" و"كلام على ورق" لتفوّت فرصة إظهار الطاقة الحقيقية لنجوم التمثيل اللبنانيين، وهم يخوضون، هذا الموسم، شراكة درامية مع المصريين، بما يعني تفويت فرصة حضور أوسع في دراما المحروسة، وربما تفويت فرصة ظهور الدراما اللبنانية في شاشات المحروسة.

نظرياً لم يكن يُنتظر من مسلسل "كلام على ورق" الكثير لبنانياً، لاسيما أنه تم بصناعة مصرية كاملة على صعيد النص والإخراج، بعدما وضع سياق حكايته على نحو يكتسب مشروعية تصويره في لبنان، وبالتالي يبقى مسلسل "اتهام" للمخرج فيليب أسمر، والكاتبة كلوديا مارشليان، في دائرة الضوء بوصفه صناعة لبنانية على صعيد النص والإخراج والتمثيل مع مشاركة مصرية، وكان يعوّل عليه في مغازلة شاشات المحروسة ومخرجيها، فضلاً عن تأكيد أحقيّة حضور المسلسل اللبناني في الفضائيات العربية، وهو أمر عزز احتمالاته على هذا النحو اسم بطلته مريام فارس، لكنه لم يحقق المأمول إلا في حدوده الدنيا.

نصّ "اتهام" الذي كتبته اللبنانية ماريشيان بدا بسيطاً بعيداً عن التجذر، وافتقر إلى البناء الدرامي الذكي، فقد اكتفى بحكاية أقرب إلى حكاية الجدّات مع عقدة تشويقية مكشوفة: فتاة تقع في شرك عصابة، فيأتي رجل نبيل لينقذها وتشاء الأقدار أن يكون زعيم العصابة (صاحب الأعمال الخيرية) في الدائرة القريبة من هذا الرجل النبيل الذي يموت ويتركها لأقدارها مع صديقه المجرم، قبل أن تتدخل المصادفة مجدداً ويؤلف الحب بين قلب الفتاة وقلب ابن غريمها. هكذا يمضي العمل نحو نهايته ضمن مجموعة من السياقات الدرامية التي تقوم على المصادفة وحدها، وعلى توليفة معدة مسبقاً، تجعل من المسلسل فيلماً هندياً طويلاً.

شخصية "ريم" كما خُيل لنا بناؤها وفقاً للحكاية التي روجت للعمل، كان ينتظر منها الكثير، خلافاً لتلك الصورة التي ظهرت عليها في المسلسل، فبدت ببعد واحد، غارقة في موجة بكائيات لا تنتهي ومشاعر خارجية متعددة تبدو كالمكياج. ربما تتحمل ميريام جزءاً من مسؤولية هذه الصورة، لكن المسؤولية الأكبر يتحملها النص، ويكفي أن نقول إن تكرار تقديم شخصية تمثيلية بالمشاعر ذاتها، أي البكاء المترافق بالصراخ، يحتاج لممثل محترف لينتشلها من رتابتها..كما أن النص بدا متواضع الذرى، فلا تأزّمَ درامياًّ اكتنف الحكاية ليصل إلى حد يذهب معه الممثل إلى درجات متصاعدة من الإثارة في الأداء، ولامساحات للعب الدرامي المتنوع كي تظهر مقدرات هذا الممثل. فوت "اتهام" فرصة تقديم أسماء تمثيلية للساحة العربية، كما سبق أن فعلت مسلسلات سورية شارك فيها لبنانيون.  

لطالما قلنا إن مشكلة الدراما اللبنانية تبدأ من النص، لاسيما أن الممثل اللبناني أبدى في كثير من الأحيان طاقة تمثيلية تستحق التقدير خارج هذا النص، ولعل قصور النص الدرامي اللبناني يكمن في عدم قدرة معظم كتّابه على نقل صورة مجتمع غني ومتنوع يعج بالحكايات الدرامية مثل المجتمع اللبناني، فبدت صورة هذا المجتمع في أعمالهم أحادية الجانب، ضمن مساحات محددة تبدو مأسورة بالسلسلة العاطفية الشهيرة للمراهقين "روايات عبير"، وفشلت تلك الأعمال في محاكاة شخصيات لبنانية حياتية بسيطة، لكنها شديدة التأثير الدرامي، كنا نحن كمشاهدين عرب، تعرفنا عليها في الصحف اللبنانية وبرامج التلفزيون...ولنسألْ أنفسنا في هذا السياق، ماذا قدم مسلسل "اتهام" من صورة المجتمع اللبناني، أي مجتمع للضيعة اللبنانية قدمه في العمل، ولماذا اقتصر وجود هذا المجتمع وناسه على دور الكومبارس المتكلم لإكمال اكسسورات حكاية "ريم"..؟

ربما حظي العمل بمشاهدة كبيرة، وفقاً لوصفة درامية مطلوبة اليوم للتسويق، ومحبذة عند مشاهد أتعبته نشرات الأخبار، لكن ذلك لا يعفي "اتهام" من تفويته واحدة من فرص عودة الدراما اللبنانية إلى ماضي حضورها، كما فوّت فرصة تقديم المجتمع اللبناني، كما هو في الواقع نابضاً بالحياة، وقد جعل من بيروت رغم تلك الحروب باريس الشرق الصغيرة.

 

 

 

المساهمون