احتضار الصحافة السودانية: رقابة ومصادرة واستغلال ناشرين

احتضار الصحافة السودانية: رقابة ومصادرة واستغلال ناشرين

26 فبراير 2015
توقيف وتضييق بالجملة على الصحافيين السودانيين (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
معاناة حقيقية يواجهها الصحافيون فى السودان، ولا تقتصر فقط على إيقاف الصحف أو التضييق على الحريات الصحافية من قبل السلطات. بل تتعدّاها إلى وضع الصحافي نفسه، وبيئة عمله إلى جانب استغلاله من قبل الناشرين. لكن تبقى أزمة الحريات هي الأكبر. وهو ما دفع منظمة "مراسلون بلا حدود" الدولية إلى تصنيف البلاد في المرتبة 172 في تصنيفها العالمي للحريات، وهي مرتبة متأخرة جداً.
وآخر اعتداء على الحريات كان الأسبوع الماضي، حين صادرت السلطات 13 صحيفة سوادنية، وهو ما خلق أزمة حقيقية بين الصحافيين والحكومة. ويعتبر هذا التدبير هو الأول من نوعه، وهو ما قاد اتحاد الصحافيين السودانيين إلى التهديد باتخاذ قرار جماعي بتعليق صدور الصحف في حال استمرت السلطات الأمنية في مصادرة المطبوعات.
ودرج جهاز الأمن في الخرطوم على مصادرة الصحف بين الحين والآخر بعد طباعتها كنوع من العقاب لتكبيدها خسائر مالية بإيقاف توزيعها. إلى جانب فرض رقابة قبلية وأخرى مباشرة، يقوم عبرها أحد افراد القبائل بمراجعة مواد الصحيفة بشكل يومي قبل طباعتها لتقييم المواد وتحديد ما يمكن نشره، وما يجب حجبه بناء على تقديراته.
في اجتماع حاسم السبت ضم "المجلس القومي للصحافة والمطبوعات"، و"اتحاد الصحافيين" وعدد من رؤساء تحرير الصحف والناشرين، أقرّ المجتمعون بمطالبة السلطات بدفع تعويضات مادية لمواجهة الخسائر التي تسببت فيها الصحف الـ13 دفعة واحدة. وهدد المجتمعون باللجوء للقضاء في حال عدم الالتزام بالتعويض. كما بعثوا برسالة شديدة اللهجة للأجهزة الأمنية مطالبينها حصر مخالفة الصحف بالأطر القانونية وعبر القضاء، وليس باتخاذ إجراءات استثنائية، كمصادرة الأعداد.

تحدي اتحاد الصحافيين

وأدخل الإجراء "اتحاد الصحافيين السودانيين" في تحدٍّ حقيقي خصوصاً أن شريحة كبيرة من الصحافيين تنظر إليه كأحد المؤسسات التابعة للحزب الحاكم. وقال رئيس اتحاد الصحافيين الصادق الرزيقي لـ"العربي الجديد "إن الاتحاد الآن في اجتماعات مستمرة لبحث أزمة مصادرة الصحف" وأعلن رفضه مراراً لهذه الخطوات، "الآن فتحنا حواراً جاداً مع الحكومة في هذا المجال واتخذنا مواقف قوية تؤكد رفضنا لهذا النهج". وأكد أن لدى الاتحاد جملة من الخيارات سيلجأ إليها في حال لم تعالج قضية مصادرة الصحف، وعلى رأسها اتخاذ قرار جماعي بتوقف الصحف عن الصدور.
ورغم أن الصحافيين نفذوا صبيحة مصادرة الصحف وقفة احتجاجية أمام مجلس الصحافة، ونكسوا خلالها الأقلام في إشارة لغياب الحريات، إلا أن السلطات الأمنية فاجأتهم في خطوة ثانية من المصادرة الجماعية طالت هذه المرة أربع صحف أخرى. ولم توضح الأسباب فيما رجّح البعض أن يكون السبب انتقاد الصحف الأربع لمصادرة الصحف الـ13.
وتصدر في الخرطوم أكثر من خمسين صحيفة سياسية واجتماعية واقتصادية وفنية، بعضها يومي والآخر أسبوعي، من بينها ما يقارب الـ25 عنواناً سياسياً. وتسعون في المئة منها إما مملوكة للحكومة بشكل كامل أو لديها أسهم فيها أو يشارك فيها أحد قيادتها. وقد انتشرت أخيراً ظاهرة جديدة تتمثل بدخول أجهزة الأمن شريكة في الصحف.

[إقرأ أيضاً:ليبيا: حكومة الثني ترفع الحظر عن السودانيين]

ومع تراجع المادة الصحافية التي تقدمها الصحف السودانية بسبب ارتفاع تكاليف صناعة الصحف والقيود المفروضة عليها وتراجع توزيع الصحف، فضلاً عن ارتفاع قيمة الصحيفة التي ارتفعت من 50 قرشاً للمستهلك الى 2500 جنيه خلال ثلاثة أعوام فقط.

أزمات متلاحقة

لا تنفصل الأزمة التي تواجهها صناعة الصحف من تكاليف طباعة وتقييد حريات عن الأزمة التي يواجهها الصحافي السوداني الذي يدفع ثمن مصادرة وتوقيف الصحف من قوت يومه وبفقدان وظيفته والتشرد في الطرقات.
لؤي عبدالرحمن صحافي سوداني شاءت الأقدار أن يعمل في ثلاث صحف سياسية جميعها توقفت بقرار أو بإيعاز من الأمن السوداني، ليجد نفسه في كل مرة هائماً في الطريق من دون حقوق مادية أو تأمين.

[إقرأ أيضاً: الصحافيون ضحايا بداية 2015]

ويحكي لؤي تجربته لـ"العربي الجديد " ويقول: "عملت مديراً للتحرير في صحيفة أسبوعية هي "المحرر" وبعد عامين من مزاولتي لمهامي ونتيجة لتناولنا قضايا ساخنة بالصحيفة أهمها الملف الإيراني تمت إقالتي من منصبي. والسلطات طالبت الصحيفة بأن تأتي بمدير تحرير بديل بمبررات واهية. وبسبب مقال صحافي أقدمت السلطات على إغلاق الصحيفة لأجل غير مسمى". ويسترسل موضحاً: "بعدها انتقلت لتأسيس صحيفة مع مجموعة صحافيين عبر تمويل حكومي، وبدأت الصحيفة وهي "القرار" العمل بحد أدنى من المصاريف للعاملين، ولم اتقاضَ وآخرين مرتبات لمدة عام في سبيل إنجاح التجربة. لكن السلطات ضيّقت على الصحيفة لاسيما أنها كانت مستقلة، واتخذت مواقف إبان تظاهرات سبتمر/أيلول 2013 التي خرجت للتنديد بزيادة المحروقات. فقررنا إيقاف الصحيفة عن الصدور في تلك الفترة لأن السلطات وقتها طلبت أن تنقل الصحف وجهة نظر الحكومة فقط". ويضيف: "السطات حاربتنا وعمدت لمنع الإعلان عنا إلى أن تعثرت الصحيفة واضطررنا لإيقافها وتسريح العاملين من دون حقوق".
لم يكن لؤي وحده من يعاني من عملية إيقاف ومصادرة الصحف واستغلال الناشرين لظروف الصحافيين وتوظيفهم بمرتبات ضئيلة، قد لا تتعدى الثلاثمائة دولار فضلاً عن غياب أبسط مقوّمات العمل من وسائل النقل وأجهزة تسجيل وكمبيوترات.

شحّ التمويل

ويؤكد رئيس اتحاد الصحافيين الصادق الرزيقي على معاناة الصحافة في الخرطوم من ضعف، فيما يتصل بالبنية الاقتصادية وقدراتها المالية فضلاً عن غياب التمويل والضرائب المفروضة على الصحف. وأشار إلى أن مشكلة ارتفاع تكاليف الطباعة مع ضعف التوزيع وتراجعه خلال الفترة الماضية يمثلان المعضلة الرئيسية أمام الصحافة وتقدمها، فضلاً عن قضية الحريات. وأضاف: "وهذا أثّر بدوره على الآداء العام للصحافة، الأمر الذي يجعل النظرة لمستقبل الصحافة السودانية شديد الضبابية. على جانب انقطاع تواصل الأجيال بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة بالبلاد منذ استقلالها في 1956".

[إقرأ أيضاً: جنوب السودان تحظر على الصحافيين إجراء مقابلات مع المتمردين]


ويشكو الصحافيون من غياب التدريب والتأهيل لاسيما وأنه نادراً ما تلجأ مؤسسة صحافية إلى تدريب المنتسبين سواء بداخل أو خارج البلاد.
ويرى المحرر العام في صحيفة "الصيحة " يوسف الجلال أن اقتصاديات الصحافة تمثل أكبر عقبة أمام استمرارية الصحف لاسيما في ظل الزيادات المتكررة لقيمة الطباعة. وأكد أن تلك الخطوة مقرونة بالهجمة الأمنية على الصحف ستقود حتماً لخروج صحف عدة من السوق قريباً. وختم حديثه بالقول: "ولا ننسى الحرب التي توجه ضد الصحف عبر الإعلان فمن يوالي تزدان صحيفته بالإعلان ومن يهاجم يحرم".