مغرّدون يتهكّمون على استحضار بوتين القرون الوسطى بحرب كورونا

مغرّدون يتهكّمون على استحضار بوتين القرون الوسطى في حرب كورونا

10 ابريل 2020
مغردون: "بوتين وجد عدواً جديداً ليحاربه" (ميكايل ميتزيل/تاسّ)
+ الخط -
أثارت مداخلة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأخيرة، أثناء اجتماع لبحث سبل مواجهة فيروس كورونا المستجد، موجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد استحضاره شعوباً وقبائل هاجمت الإمارات السلافية حتى قبل تشكل روسيا في شكلها الإمبراطوري، للتعبير عن ثقته في انتصار بلاده على الوباء، "كما انتصرت على شعبي البجناق والكومان اللذين عذبا روسيا طويلاً".

وفي حين رأى البعض أن تطرق بوتين للحروب مع هذين الشعبين على أراضي أوكرانيا الحالية يحمل في طياته رسالة سياسية حول حق روسيا في مناطق ضمن حدود جارتها، أكد الكرملين أن الرئيس الروسي خرج عن النص المكتوب، وأنه لا يمكن إنكار حقائق التاريخ حول نشوء روسيا في القرون الوسطى. وذهب آخرون إلى القول إن "بوتين ينفصل يوماً بعد يوم عن الواقع، ويبحث عن أعداء جدد لروسيا لمحاربتهم".

واستغرب رواد مواقع التواصل الاجتماعي لجوء الرئيس الروسي لذكر شعبين شنا هجمات على السلافيين منذ النصف الثاني من القرن العاشر على "كيفسكايا روس" (روس كييف أول إمارة للسلافيين الشرقيين بعد توجههم جنوباً وظهرت منذ النصف الثاني للقرن التاسع)، للتعبير عن خطورة الوباء. واضطر كثيرون إلى العودة للمراجع التاريخية لمعرفة تاريخ هذين الشعبين.

وكتب أحد الروس على موقع "تويتر": "وأخيراً، بفضل بوتين، هناك من يتذكر شعبي البجناق والكومان، رغم مرور قرون على إبادتهما"، في حين كتب مستخدم آخر متهكماً: "في خطابه التالي سيذكرنا بوتين بأننا نجونا من المذنب الذي ضرب الأرض قبل 65 مليون سنة، وبالطبع سننجو من كورونا".

وكان لافتاً تفاعل شريحة كبيرة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الروس مع الأمر من منحى مختلف تماماً، يكشف انعدام معرفتهم بتاريخ روسيا في القرون الوسطى، إذ ظن كثيرون أن بوتين تحدث عن البسكويت أو الكعك بسبب تشابه اسم شعب البجناق في اللغة الروسية مع كلمة الكعك (بيتشينكي أي كعك، بيتشينيغي أي البجناق)، فعمت الإنترنت منشورات تحذر من غزو الكعك وخطر البسكويت، في حين نشر كثيرون صوراً للكعك تعلوها جملة "احذروا التهديد الجديد، على كل روسي أن يعرف شكل عدوه".

وأعرب بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن سعادتهم بأن بوتين "أخيراً كف عن ذكر الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية) في كل مناسبة وكل حين، ووجد حدثاً تاريخياً آخر يمكن لروسيا أن تفخر به"، في حين كتب المعارض الروسي أليكسي نافالني على حسابه في "تويتر": "أتساءل كم من الوقت يبقى قبل أن يقترح حزب روسيا الموحدة تخصيص 15 مليارا للاحتفال بالذكرى المقبلة للانتصار على البجناق؟"، في إشارة إلى المبالغ السنوية الهائلة التي تنفقها روسيا على الاحتفال بذكرى الانتصار بالحرب العالمية الثانية.

وحسب المصادر التاريخية الروسية، فإن البجناق شعب قديم عاش في القرنين السابع والثامن على ضفاف أحد الأنهر في أراضي سهوب جمهوريتي كازاخستان وأوزبكستان حالياً، كما أنهم انتقلوا في القرن التاسع إلى ضفاف نهر الفولغا، وسيطروا تدريجياً على السهول هناك، فاستولوا على أراضي الدانوب، وشكلوا مجتمعاً عرقياً سياسياً كبيراً في منطقة شمال البحر الأسود.

وحسب وثائق تاريخية، صمدت كييف، عاصمة إمارة "كييف روس"، في عام 968 أمام حصار البجناق الذين امتدت مناطق سيطرتهم على أراضي مولدافيا وجزء من رومانيا وبعض أراضي روسيا وأوكرانيا الحالية، واستمرت حرب السلافيين مع البجناق حوالي قرن، وهاجم البجناق القرى والمدن الروسية بهجمات خاطفة وغادروا بنفس السرعة، آخذين معهم العبيد والأبقار والممتلكات. تسببت هذه الهجمات في أضرار كبيرة للزراعة والموارد الأخرى.

عام 1036، ألحق أمير "كييف روس"، ياروسلاف الحكيم، هزيمة نهائية بالبجناق قرب كييف، انتقلوا بعدها إلى الحدود البيزنطية والمجرية، وحسب وثائق فإنهم شعب "البوشناق" الحالي الذي ينتشر في تركيا والبلقان.

وأعاد مستخدمون آخرون إلى الأذهان الحرب الكلامية بين بوتين ومسؤولين بولنديين، بعد وصف الرئيس الروسي بداية العام الحالي السفير البولندي لدى ألمانيا في فترة الحرب العالمية الثانية بأنه "وغد وخنزير معادٍ للسامية"، إذ كتب أحد مستخدمي "فيسبوك" الروس: "أووف. يمكن لبولندا أن تتنفس الصعداء. بوتين وجد أعداء جدداً لمحاربتهم".

كما استغل كثير من الروس الأمر لتحوير كلمات الأغاني والأشعار الوطنية التي تتغنى بانتصارات روسيا، لتنطبق على البجناق والكومان. ودعا مستخدم آخر إلى "إجراء فحص حمض نووي لكل مواطني البلاد، وحرمان من يثبت أن أصولهم من البجناق والكومان من مساعدات بوتين المالية".

وكعادتهم حاول عدد من المحللين الدفاع عن استخدام بوتين لهذا المثال من التاريخ البعيد، فأشار المحلل السياسي الروسي، كيريل مارتينوف، إلى أن بوتين "على الأرجح، أراد من هذا المجاز إظهار حقيقة أنه لم يسبق لأي من الروس الأحياء، بمن فيهم الرئيس نفسه، أن صادف تهديداً مماثلاً لفيروس كورونا، كما أنهم لا يعرفون كيف واجه الروس القدماء تهديد البجناق والكومان".

لا يعرف الكثير عن الكومان، لكن مهاراتهم الحربية اعتبرت متطورة تماماً. كما اختاروا أساليب الهجمات المفاجئة بشكل رئيسي على القرى ذات الحماية الضعيفة. في المعارك، قسم قادة الكومان القوات بكفاءة، وفي 1111 تمكن السلافيون من اختراق سهوب الكومان، وحققوا انتصاراً غير مسبوق، وصلوا إثره إلى منطقة نهر الدون. ويعيش أسلاف الكومان حالياً في أوزبكستان وكازاخستان.

وحسب الوثائق الروسية، فإن الكومان شعب تركي بدوي كان يقطن أراضي كازاخستان الحالية وشمال القوقاز وبحر آزوف ومنطقة شمال البحر الأسود. قاتلت روسيا الكومان لفترة أطول من البجناق. كثفت الاشتباك بسبب التناقضات بين الإمارات الروسية المجزأة التي جعل حكامها في كثير من الأحيان الكومان حلفاءهم واستخدموا قواتهم في حروب داخلية.

وبعد الجدل الذي أثارته تصريحات بوتين، أكد الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن مقارنة الجائحة العالمية بغارات القبائل القديمة أضافها بوتين، وقال إن "هذه مبادرة من الرئيس، أي أن هذه الكلمات خرجت من الرئيس نفسه، وهو تحديداً أضافها إلى خطابه".

ورداً على سؤال عما إذا كان حديث الرئيس بوتين يعني مطالبة روسيا بأراضٍ ضمن أوكرانيا الحالية، قال بيسكوف: "لا تنسوا أن المناطق التي تقع عليها أوكرانيا كانت تاريخياً كييف روس. وفي الواقع فإن البجناق عذبوا كييف روس، وعذبوا القبائل السلافية التي عاشوا في الشرق"، وزاد أن "البيزنطيين كذلك تسببوا لنا بكثير من الصداع، ولا يمكنكم أن تشطبوا كييف روس من التاريخ، ونحن لن نشطبها من تاريخنا".

وبغض النظر عن دوافع بوتين وأغراضه من هذه المقارنة الغريبة، إلا أن كُثرا من الروس أعربوا عن امتنانهم لدرس التاريخ الذي خفف عنهم رتابة وملل الحجر الصحي والعزلة الذاتية التي تشهدها بلادهم.

المساهمون