الإعلام التونسي تحت مجهر النقد مجدداً

حادثة الحافلة السياحية تضع الإعلام التونسي تحت مجهر النقد مجدداً

04 ديسمبر 2019
26 قضوا في الحادثة (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
لم تمر الفاجعة التي عرفتها تونس يوم الأحد الماضي (1 ديسمبر/كانون الأول) دون أن تترك موجة من الغضب على الإعلام التونسي، بسبب مواكبته لانقلاب حافلة سياحية في الشمال الغربي التونسي، ما أسفر عن مقتل 26 شاباً وشابة.

واعتبر كثيرون أنّ الإعلام التونسي أو الجزء الأكبر منه مرّ على الحدث ولم يقم بواجبه في تقديم المعلومة الآنية التي يحتاجها المواطن التونسي. وأصدرت لجنة أخلاقيات المهنة الصحافية في "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين"، مساء الإثنين، بياناً عددت فيه الأخطاء التي وقع فيها الإعلام التونسي، ومنها تعمد بعض القنوات التلفزيونية عدم الاهتمام بالحدث وعدم إيلائه ما يستحق من مساحة البث الإخبارية في برمجتها، بل واصلت بثها لبرامج ترفيهية ومقاطع فكاهية لا تتلاءم مع سياق الأحداث الوطنية وطبيعتها، بالإضافة إلى بث تقارير مصوّرة في بعض الإذاعات الخاصة تم فيها تصوير الجرحى الناجين من الحادث دون حجب ملامحهم من داخل المستشفيات التي نقلوا إليها لتلقي الإسعافات، وهو ما يتناقض مع قيمة حفظ كرامة الإنسان أثناء التغطية الإعلامية.

وطالبت اللجنة، الصحافيين الميدانيين، بأن يراعوا الحالة النفسية لعائلات الضحايا أثناء تسجيل شهاداتهم. كما طلبت من الصحافيين التزام الحرفية والمهنية في التغطية الخبرية للحادث وعدم الانزلاق في الإشارة العاطفية والمتاجرة بأرواح المتوفين لرفع نسب المشاهدة، مشيرةً إلى أن دور الصحافيين يكمن في التركيز على المعطيات الميدانية والتحقيق في المسؤولية والضغط على مؤسسات الدولة للتحسين من جودة البنية التحتية والخدمات للمواطنين.

من ناحية أخرى، اعتبر الكثير من المتابعين للشأن الإعلامي أنّ الجزء الأكبر من الإعلام التونسي ما عدا الإعلام العمومي (الرسمي) لم يعِر الحدث الأهمية التي يستحقها، بل اعتبره حدثاً عادياً، في حين أنه حدثا جللا تسبب في فقدان أرواح بشرية.

وكتب الإعلامي سامي العرفاوي: "الإعلام العمومي (الرسمي) يجب ألا ينخرط في إعلام البوز والسبق الصحافي ونشر ما لا ينفع الناس.. ما الفائدة في نشر لوعة أهل الضحايا وبكائهم ومصابهم الجلل؟ ما الفائدة في الهرولة وراء المسؤولين السياسيين الذين ليس لديهم ما يقولونه؟ ما الفائدة في وصف الجنائز وحالة أصدقاء وأهالي المتوفين؟ كان لا بد من تسخير الجهود في بحث استقصائي عن وكالة الأسفار والحافلة المستعملة.. والمهتمين بالصيانة وبحث في عدد الحوادث في ذاك الطريق ومن كان مسؤولا عن البنية التحتية وعدد التشكيات التي وصلت إلى المسؤولين وممن وصلت".

رأي العرفاوي شاركه فيه أستاذ الإعلام في الجامعة التونسية منجي المبروكي، الذي دعا الإعلاميين التونسيين إلى الابتعاد "عن التناول الانفعالي لمأساة أبنائنا إثر انقلاب الحافلة وتوزيع الاتهامات دون تدقيق. ويهمنا التأكيد على النقطة التالية، من العيب الذهاب إلى أنه من أسباب المأساة تخلي مؤسسات الشباب عن دورها لفائدة "التأطير الموازي". الحقيقة أن مؤسسات الشباب لم تتخلَّ عن دورها في هذا المضمار لأنه بكل بساطة لم يقع أي تكليف رسمي لدور الشباب بتنظيم الرحلات الشبابية، رغم أنه منذ التسعينيات ننادي بضرورة إرساء منظومة كاملة يعهد لها تنظيم سياحة الشباب وفق قوانين تنظم وهيكلة تسير وبرامج تأهيل، لكن لا حياة لمن تنادي، ففيما الحافلات التي ادعى بن علي أنه أهداها للشباب، لم يكن استغلال الشباب لها إلا ظرفيا".

وكثيراً ما أدخلت التغطية الإعلامية للأحداث في تونس، وسائل الإعلام، تحت مجهر النقد، خصوصاً في ظلّ تعدد وسائل الإعلام المرئية والسمعية والإلكترونية وتحررها من كل القيود التي كانت تتحكّم فيها، مما يجعلها أمام مسؤولية صعبة في هذا الظرف التاريخي الدقيق الذي تمرّ به تونس ما بعد الثورة.

دلالات