الانتخابات تلقي بثقلها على إعلاميي تونس

الانتخابات تلقي بثقلها على إعلاميي تونس

18 أكتوبر 2019
طولب سعيّد بالاعتذار عن اعتداءات مناصريه (شاذلي بن إبراهيم/نورفوتو)
+ الخط -
لا تزال الانتخابات الرئاسية التي شهدتها تونس، يوم الأحد الماضي، تلقي بثقلها على القطاع الإعلامي والصحافي في البلاد، بعد الانتهاكات والاعتداءات بحق الصحافيين ودعوات المقاطعة والمخالفات التي استوجبت فرض غرامات مالية على قنوات تلفزيونية عدة.
وقد أثارت الاعتداءات على الصحافيين التونسيين والأجانب أثناء تغطيتهم احتفالات أنصار الفائز في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، قيس سعيّد، الكثير من الهواجس حول العودة إلى تكميم الأفواه وضرب حرية الصحافة. ورسخت هذه الهواجس هجمات على مواقع التواصل الاجتماعي ضدّ الصحافيين والإعلاميين شنتها أطراف عدة، واستهدفت خاصة محمد بوغلاب ومايا القصوري ولطفي لعماري، العاملين في قناة "الحوار التونسي".

استهداف "الحوار التونسي"
وتصاعدت الدعوات إلى إقفال قناة "الحوار التونسي"، على خلفية ما اعتبره كثيرون انحيازاً إلى المنافس الخاسر في الانتخابات الرئاسية، نبيل القروي، الملاحق بتهم التهرب الضريبي وتبييض الأموال. واتخذ الصحافيون في القناة مزيداً من الحيطة والحذر إزاء هذه الدعوات، وخاصة بعد مشاركة شخصيات عامة فيها، مثل القاضيين أحمد الرحموني وحمادي الرحماني الذي كتب نصاً دعا فيه إلى غلق "الحوار التونسي"، مؤكداً فيه أن "الشعب التونسي سيدفع غالياً ثمن السكوت على القناة".
وأمام هذه المواقف، طالبت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين الرئيس المنتخب، قيس سعيّد، بالاعتذار عمّا بدر من أنصاره تجاه الصحافيين من عنف لفظ ومادي، أثناء تغطية احتفالاتهم بالانتصار.

كذلك دعا صحافيون إلى الوقوف صفاً واحداً ضد الهجمات من قبل أنصار الرئيس المنتخب وأنصار بعض الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية. وكتبت الإعلامية حياة السايب بن عز الدين: "اليوم يطالبون بغلق قناة (الحوار التونسي)، وغداً يطالبون بغلق الصحف والمواقع الإعلامية التي لا يروقهم خطابها، ثم يتم كتم كل صوت مختلف".
وشاركها الرأي مدير صحيفة "الصحافة اليوم" ورئيس تحريرها، الهاشمي نويرة الذي علّق قائلاً: "إن ما تتعرّض له قناة (الحوار التونسي)، وتحديداً الطاقم الصحافي والصديقة والأصدقاء مايا الكسوري ومحمّد بوغلّاب وكامل بلاتو برنامج (تونس اليوم) للصديقة مريم بالقاضي، من تجريح وتهديدات وتحريض على القتل، يُدلّل بوضوح على أنّ جماعات الإسلام السياسي ومن تحالف معهم من أشباه المنتمين إلى الفكر المدني وكلّ من لفّ لفَّهم لا تتسع صدورهم لرأي غير رأيهم، وهم يعانون من عاهة خلقية هي النزوع إلى الاستبداد وإلغاء الآخر". وأضاف نويرة: "أعتقد أن المطلوب العاجل هو التنديد والإدانة التي لا تشوبها شائبة، ثمّ التجنّد من أجل التصدّي لأعداء الديمقراطية والاختلاف. ولا يفوتني أن أشدّد على أنّ من العيب أن يلتقي هؤلاء الذين التحفوا الظلام واتخذوه منهجاً وسلوكاً مع أولئك الذين أصمّوا آذاننا بالحديث والصياح عن حرية الرأي والتعبير والصحافة".
البعض الآخر عبّر عن خشيته من العودة إلى مربع العنف، كما حصل عامي 2012 و2013، فكتب الإعلامي كريم وناس: "الاختلاف مع وجهة نظر وآراء مية القصوري ومحمد بوغلاب والعماري وغيرهم... لا يبرر بأي حال من الأحوال التجييش المنظم ضدهم التي ستلحقها حملات منظمة ضد اتحاد الشغل ومعارضي الحكومة المقبلة، وحذارِ فالأمر قد ينجرّ عنه العودة إلى مربع العنف الذي شهدناه فترة 2012 و2013".
وكانت موجة الاعتداءات اللفظية والمادية على الصحافيين التونسيين عرفت أوجها عامي 2012 و2013 حين تولت "حركة النهضة" الحكم في البلاد، حيث وصل الأمر بمناصريها إلى حدّ الاعتصام لمدة تزيد على أربعين يوماً أمام مقر التلفزيون الرسمي التونسي، مطالبين بإغلاقه، ما أدى إلى حوادث عنف بين العاملين في التلفزيون والمحتجين.
عقوبات مالية
لم تمرّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التونسية من دون أن تكبد وسائل الإعلام السمعية البصرية التونسية عقوبات مالية باهظة. في تصريح لـ "العربي الجديد"، أكد عضو "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا)، هشام السنوسي، أنه فُرضت عقوبات مالية من شهر يوليو/تموز الماضي إلى يوم الانتخابات الرئاسية في الدور الثاني، يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تقدر قيمتها بـ 1.2 مليون دينار تونسي (نحو 450 ألف دولار أميركي).
وشملت هذه العقوبات 19 مؤسسة إعلامية، منها 14 قناة تلفزيونية وخمس محطات إذاعية. قناة "نسمة تي في" احتلت صدارة القنوات المُعاقبة، فتجاوزت العقوبات المالية عليها 500 ألف دينار تونسي، كذلك فرضت عليها أكبر عقوبة مالية في تاريخ "الهايكا"، وقيمتها 320 ألف دينار تونسي، علماً أن الهيئة لم تفرض سابقاً أي عقوبة مالية تجاوزت مائة ألف دينار تونسي. وضوعفت العقوبات على "نسمة تي في" بسبب مواصلة الإشهار السياسي لنبيل القروي، وهو أحد مالكيها.
يذكر أن "الهايكا" و"الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" أصدرتا، في 21 أغسطس/آب الماضي، قراراً مشتركاً حول ضوابط التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تونس. واعتمد هذا القرار في العقوبات المالية المسلطة من قبل "الهايكا".

المساهمون