حظر النشر... أداة النظام المصري للتعتيم على المعلومات

حظر النشر... أداة النظام المصري للتعتيم على المعلومات

20 ابريل 2017
القضاء أداة النظام في التعتيم (Getty)
+ الخط -
يستمر النظام المصري في إجراءاته للتعتيم على المعلومات ونشرها. وتعدّ ذريعة "حظر النشر" في قضايا محددة، الشكل الأبرز لإجراءاته تلك.

وأصدرت مبادرة "صحافيون ضد التعذيب" المصرية، تقريرًا انتقدت فيه قرارات القضاء المصري بحظر النشر في قضايا بعينها، واعتبرتها "مجرد ذريعة للتعتيم على ما تراه الدولة غير مناسب للنشر وصالح للتداول بين المواطنين، مما يعد انتقاصًا من حق الحصول على المعلومات وحرية النشر والرأي والتعبير".

وقال المرصد إنه "ما تلبث قضية ما أن تحظى باهتمام الرأي العام، حتى يصدُر قرار بحظر النشر فيها، خاصة إذا ما كانت من القضايا الشائكة التي تتعلق بفساد المؤسسات أو بأمن الدولة"، مؤكدة أن هذا القرار "يمسّ عددا من الحقوق الأصيلة التي تتعلق بحرية الحصول على المعلومات، وحق الصحافة في حرية النشر، وحق الشعب في ممارسة دوره الرقابي على أداء السلطات الثلاث".

وتناول التقرير أهم القوانين المنظِّمة لحظر النشر، والأساس القانوني لقرارات النيابة العامة والقضاة بحظر النشر في القضايا، والمعايير المستندة عليها في ذلك وفقًا للقانون، وتوضيح أوجه العوار في القوانين التي تقيّد الحقوق الأصيلة للصحافة والنشر.
وجاء التقرير على خلفية اتساع ظاهرة قرارات حظر النشر، في الآونة الأخيرة، حيث رصد
11 قرارًا بحظر النشر خلال عام 2016.

واستعرض التقرير أبرز الملاحظات على طبيعة القضايا، ولا سيما أنها كانت مثار الرأي العام لطبيعتها الشائكة، في إطار سعي المرصد إلى تحسين وتهيئة البنية التشريعية لتحمّل المزيد من الحريات، وغلق ثغرات التعتيم والتضييق على الحريات الصحافية.

والمقصود بحظر النشر، منْع النشر في الصحف والمطبوعات وكافة الوسائل العلانية الأخرى، سواء أكان بالكتابة أم بالقول عن طريق خطاب عام أو عن طريق الإذاعة أو بالصور، أو بغير ذلك من وسائل العلانية.

وتتعلق فلسفة حظر النشر، بما ذهب إليه جانب من الفقه إلى حظر النشر في القضايا التي تحظى باهتمام الرأي العام، وذلك لحماية إجراءات التحقيق والمحاكمة وحماية أطراف المنازعة، فضلا عن تجنب إثارة الجمهور وعدم التأثير على عقيدة القضاة، مما يضر بالعدالة.

وأكد التقرير أن حرية الصحافة تعد من صور حرية التعبير الأكثر أهمية، ومن ثم فقد كفلها الدستور، وحظَر فرْض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ولئن كان قد أجاز فرض رقابة محدودة عليها، فذلك في الأحوال الاستثنائية، كما ألزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحافية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، باعتبار أن حرية الصحافة هي السياج لحرية الرأي والفكر.


وأشار التقرير إلى أن حظر النشر إجراء استثنائي عن الأصل العام وهو حرية الصحافة، وهذا ما أكدت عليه محكمة النقض بأن حصانة النشر مقصورة على الإجراءات القضائية العلنية، والأحكام التي تصدر علنًا، وأن هذه الحصانة لا تمتد إلى ما يجرى في الجلسات غير العلنية ولا إلى ما يجرى في الجلسات التي قرر القانون أو المحكمة الحد من علانيتها. كما لفت التقرير إلى تعارض حظر النشر مع إتاحة المعلومات، مشيرا إلى أن الحق في المعرفة وجه من وجوه حرية الرأي والتعبير، فهي تعد من أكثر الأوجه جوهرية في الحوار السياسي المعتمد على المعلومات.

أقر الدستور المصري بملكية المعلومات والبيانات والوثائق الرسمية للشعب والتزام الدولة بإتاحتها بكافة الأشكال، مثل رقمنتها والإفصاح عنها للمواطن، كما قرر المشرّع الدستوري معاقبة من يحجب معلومة، أو يقوم بالتضليل بإعطاء معلومات مغلوطة.

أما الجهات المخوّل لها إصدار قرارات حظر النشر، فهي النيابة العامة أو هيئة التحقيق القضائية. ويُصدر القرار أثناء سير التحقيق وينتهي حظر النشر بمجرد التصرف فيه من جانبها، سواء بحفظه أو إحالته إلى المحكمة. ويكون قرار حظر النشر من جانب القاضي بوقائع جلسة معينة أو كل الجلسات أو الأحكام. وللمحكمة أن تأمر بذلك من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب الخصوم، مادامت ترى أن في الحظر محافظة على النظام العام والآداب.
وبشأن التنظيم القانوني لقرارات حظر النشر، فإن أهم القوانين المنظمة لحظر النشر، هو حظر
نشر أخبار تنتهك حرمة الحياة الخاصة.

وقد حصّن الدستور الحياة الخاصة طبقا للمادة (57)، والتي أرسى لها مبدأ لصيانتها، وحظَر على وسائل الإعلام نشر أية أخبار أو مواد تنتهك حرمة الحياة الخاصة أو المراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية. فضلا عن حظر النشر في أسرار الدفاع والأسرار المتعلقة بأمن الدولة، وفقا لنص المادة (85) من قانون العقوبات.

كما نصت المادة (188) من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارًا أو بيانات أو شائعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة".

كما حظر القانون المصري نشْر الجلسات السرية لمجلس الشعب، إذ تنص المادة (192) من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بنفس العقوبات كل من نشر، بإحدى الطرق المتقدم ذكرها، ما جرى من المناقشات في الجلسات السرية لمجلس الشعب، أو نشر بغير أمانة وبسوء قصد ما جرى في الجلسات العلنية في المجلس المذكور".

إلى جانب حظر النشر في شؤون القضاة والقضاء، حيث قرر مجلس القضاء الأعلى، في 9 يناير/كانون الثاني 2017 "حظر نشر أية أخبار تتعلق بشؤون القضاء والقضاة، على كافة المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، أيا كانت طبيعتها أو القائمين عليها. ومخالفة هذا الحظر سيترتب عليه توقيع الجزاءات التأديبية الواردة في قانون السلطة القضائية، أو إخطار جهات التحقيق إذا لزم الأمر".
وقال المرصد إنه، وعلى الرغم من غموض القرار وعدم تحديد مَن المعني به، لم يصدُر بعدُ أي توضيح للقرار.
وتواصل المرصد مع عدد من المحررين القضائيين للاستعلام عن طبيعة القرار، إلا أنهم ذكروا رفض المستشارين توضيح القرار، مما يفتح الباب للتأويل والاجتهاد في طبيعة القرار. ويتزامن هذا القرار مع القضية الشهيرة إعلاميًا بـ"الرشوة الكبرى" التي أصدر النائب العام فيها قرارا بحظر النشر.



وعن حظر نشر ما من شأنه التأثير في القضاة أو أطراف النزاع أو الرأي العام، لفت التقرير إلى أن المادة (187) من قانون العقوبات المصري نصت على معاقبة بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر، بإحدى طرق العلانية، أمورًا من شأنها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام أية جهة من جهات القضاء في البلاد، أو في رجال القضاء أو النيابة، أو غيرهم من الموظفين المكلفين بتحقيق ما، أو التأثير في الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى أو في ذلك التحقيق، أو أمورًا من شأنها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الأمر، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضده".

وحظر القانون المصري أيضا، نشر أخبار التحقيق الجنائي، لمراعاة النظام العام. ونص البند الأول من المادة (193) عقوبات على معاقبة من ينشر تحقيقات جنائية إذا قررت سلطة التحقيق إجراءها في غيبة الخصوم، أو ما من شأنه الإضرار بالنظام العام والآداب أو لظهور الحقيقة، بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويحظر أيضا نشر أخبار عن التحقيق طبقًا لنص المادة (193) من قانون العقوبات، يستوجب أن يصدر به قرار من السلطة المُختصة بإجراء التحقيق، وأن يتم ذلك مراعاة للنظام العام أو للآداب أو لظهور الحقيقة.

وعن حظر النشر في أخبار التحقيقات أو المحاكمة، فقد نصت المادة (23) من قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 على أنه "يحظر على الصحيفة تناول ما تتولاه سلطات التحقيق أو المحاكمة، بما يؤثر على صالح التحقيق أو المحاكمة، أو بما يؤثر على مراكز من يتناولهم التحقيق أو المحاكمة. وتلتزم الصحيفة بنشر قرارات النيابة العامة ومنطوق الأحكام التي تصدر في القضايا التي تناولتها الصحيفة بالنشر أثناء التحقيق أو المحاكمة، وموجز كافٍ للأسباب التي تقام عليها، وذلك كله إذا صدر القرار بالحفظ أو بأن لا وجه لإقامة الدعوى، أو صدر الحكم بالبراءة".

وفيما يختص بحظر نشر ما يجري داخل جلسات المحكمة، ففي دعاوى الطلاق أو التفريق أو الزنا، نص البند الثاني من المادة (193) من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر، بإحدى الطرق المتقدم ذكرها، أخبارًا بشأن التحقيقات أو المرافعات في دعاوى الطلاق أو التفريق أو الزنا.
والغرض هنا من حظر النشر هو حماية سمعة الأفراد وعدم التطرق إلى خصوصية الأفراد عن طريق النشر.


وفيما يتعلق بحظر نشر وقائع الدعاوى المتعلقة بالنظام العام، فقد نصت المادة (190) من قانون العقوبات على أنه يجوز للمحاكم، نظرًا لنوع وقائع الدعوى، أن تحظر، في سبيل المحافظة على النظام العام أو الآداب، نشر المرافعات القضائية أو الأحكام كلها أو بعضها بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المادة 171، ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

كما نصت المادة 268 من قانون الإجراءات الجنائية على "يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز للمحكمة مع ذلك، مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها".
وقصر المشرّع حصانة النشر هنا على الإجراءات القضائية العلنية والأحكام التي تصدر علنًا، وهذه الحصانة لا تمتد إلى ما يجرى في الجلسات غير العلنية، ولا إلى ما يجرى في الجلسات التي قرر القانون أو المحكمة الحدّ من علانيتها، كما لا تمتد إلى التحقيق الابتدائي أو التحقيقات الأولية أو الإدارية، لأن هذه كلها ليست علنية؛ إذ لا يشهدها غير الخصوم ووكلائهم، فمن ينشر ذلك على مسؤوليته.

أما عن حظر نشر ما جرى في الجلسات العلنية بسوء قصد؛ فقد نصت المادة (191) من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بنفس العقوبات كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها ما جرى في المداولات السرية بالمحاكم، أو نشر بغير أمانة وبسوء قصد ما جرى في الجلسات العلنية بالمحاكم".

وعن حظر نشر الجلسات السرية؛ نصت المادة (189) من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها ما جرى في الدعاوى المدنية أو الجنائية التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية".
وعلق المرصد "بمراجعة النصوص القانونية السابقة، نجد أن هناك بعض المصطلحات القانونية الفضفاضة الواردة بنصوص حظر النشر كالمحافظة على النظام العام، والآداب العامة، والتي خلت البنية التشريعية من تحديد إطارها المفاهيمي بتعريفات جامعة مانعة لا تحمل التأويل فيها. وتكمن أهمية إجراءات تعديلات تشريعية في تحديد الحالات التي ينبغي حظرها للمحافظة على النظام العام والآداب العامة، على أن يراعى فيها الحقوق الأساسية المنصوص عليها دستوريًا كحق الحصول على المعلومات وحرية النشر".


وتحت عنوان حظر النشر وأحكام القضاء، أوضح التقرير أن محكمة القضاء الإداري المصرية، أرست مؤخرًا سبقا قضائيا جديدا، فقد قضت بإلغاء قرار بحظر النشر عن تزوير انتخابات الرئاسة لعام 2012، وانتهت المحكمة إلى أن قرار حظر النشر في حقيقته قرار إداري وتختص محكمة القضاء الإداري برقابة مشروعيته طبقا لنص المادة (190) من الدستور، ونص المادة (10) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972.


ورصد مرصد "صحافيون ضد التعذيب" 11 قرارًا بحظر النشر خلال عام 2016 الماضي، تضمنت ثمانية قرارات صادرة من سلطات التحقيق (النائب العام، هيئة التحقيق القضائية).



وبمراجعة هذه القضايا وجد المرصد أن القرارات توسعت في مفهومي النظام العام والآداب العامة، فهناك أربع قضايا متعلقة بشؤون القضاء وفساد داخل المؤسسة من رشوة وتزوير، وتوجيه إهانة لرئيس المجلس الأعلى للقضاء، والتورط في عملية حرق الأحراز.

واستخلص المرصد أن كل القضايا التي تخص المؤسسة القضائية والتنفيذية يحظر النشر فيهما، فضلًا عن القضايا التي تحظى باهتمام الرأي العام والأوساط الصحافية وتثير حفيظتهم، ويكون هناك اعتراض كبير على موضوعها يصدر فيها قرارات بحظر النشر، وتعد هذه السمة العامة الغالبة على كل القضايا إلى الحد الذي يسهل معه توقع صدور قرار بحظر النشر في قضية ما، وهذا الأمر لا يخفف من وطأه القضية مثار الرأي العام، وإنما يزيد من انتشار الشائعات والقلق بشأنها.

وأوصى المرصد بسرعة سنّ تشريع ينظم إجراءات الحصول على المعلومات، وطرق التظلم في حالة امتناع الجهة الإدارية عن إعطاء معلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة، وتنقية البنية التشريعية من النصوص القانونية المقيدة لحرية الصحافة وحق الحصول على المعلومات والتي أقرهما الدستور المصري.

كما أوصى بوضع إطار تعريفي للمفاهيم الغامضة والفضفاضة مثل "سوء القصد وعدم الأمانة" و"الحفاظ على النظام العام والآداب العامة"، فضلًا عن تحديد على الحالات التي يحظر فيها النشر على سبيل الحصر.




المساهمون