خطة السيسي لتأميم الإعلام وغلق المجال العام

خطة السيسي لتأميم الإعلام وغلق المجال العام

16 يناير 2017
يُسيطر نظام السيسي على قطاع الإعلام (إد غيلز/Getty)
+ الخط -
"يا بخت عبد الناصر، كان محظوظاً، لأنه كان يتكلم، والإعلام معه"، بهذه الكلمات القليلة عبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن فكره الاستبدادي، صراحةً، فور توليه الحكم قبل عامين ونصف العام، خلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف القومية، الذين استدعاهم مرات عدة، من دون اكتراث بلقاء رؤساء الأحزاب أو السياسيين، بما يعطي انطباعاً واضحاً بأولوية ملف الصحافة والإعلام لدى نظامه. 

لم يخفِ السيسي ولعه بحقبة الستينيّات، وأظهر إعجابه مراراً بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي شهد عهده سيطرة أجهزة الدولة على كافة المنابر الإعلامية، ويسير الأول، على دربه، لإجهاض أي صوت معارض، واختزال دور الإعلام في الدعاية السياسية لنظامه، الذي لطالما وصفه بـ"غير المنضبط"، وهو تعبير يليق بحاكم عسكري، وصل إلى منصبه عقب انقلاب على رئيس منتخب.

ورغم سيطرة أذرع السيسي الإعلامية على أغلب الصحف والفضائيّات، وتحكّمها في المواد المنشورة من خلالها، إلا أنّ جهاز استخباراته العامة قرر النزول إلى الساحة الإعلامية من خلال تدشين قنوات "دي إم سي"، المملوكة للجهاز، بشكل مباشر، كبديل عصري عن قنوات "ماسبيرو" الحكومية، بموازنة مبدئية بلغت قيمتها 800 مليون جنيه (حوالي 40 مليون دولار).

وانطلقت المجموعة الفضائية في حفل ضخم، مساء السبت الماضي، بتكلفة غير معلنة، قد تصل إلى بضعة ملايين من الجنيهات، خُصّصت في الأغلب من أموال دافعي الضرائب، في حضور عدد كبير من رجال الأعمال، والإعلاميين، والفنانين، بينما يئنّ المواطن المصري من الغلاء وارتفاع أسعار الدواء وكافة المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، ناهيك عن اختفاء عدد منها من السوق أصلاً.

وجاهر الجيش، أمس الأحد، بشراء شبكة قنوات "العاصمة". فقد أعلنت شركة "شيري ميديا" المصرية، التابعة لجهاز الاستخبارات العامة، استلامها، رسمياً، إدارة شبكة قنوات "العاصمة"، عقب شرائها من مالكها، عضو مجلس النواب، سعيد حساسين. إذ تسلم إدارة القناة بمدينة الإنتاج الإعلامي، نائب رئيس مجلس إدارة الشركة، المتحدث الرسمي السابق للقوات المسلحة، العميد محمد سمير.

وتمتلك الاستخبارات العامة أيضاً شبكة راديو (9090)، وموقع إخباري تحت اسم "مبتدا"، وشركة "دي ميديا" المالكة لموقع "دوت مصر"، في ترجمة عمليّة لفكرة تأميم الإعلام، تزامناً مع سحب حلفاء السيسي من دولتي الإمارات والسعودية لجزء كبير من تمويلاتهم، المخصصة لصحف وقنوات مصرية، استُخدمت في وقت سابق في تشويه سلطة الحكم عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، والتي تأتي ذكراها السادسة بعد 9 أيام فقط.

وساهمت الدائرة الاستخباراتية – الرقابية للسيسي، التي يقودها مدير مكتبه، اللواء عباس كامل، في نقل ملكيات فضائيات حالية أو إنشاء منابر جديدة، وتغير الخرائط البرامجية، وتقليل المساحات السياسية لصالح برامج المنوعات والترفيه، حيث يلعب رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة دوراً هاماً في هذا السياق، بعد أن حاز على ملكية عدد من الفضائيات الفترة الأخيرة.
وأغلق النظام برامج مؤيديه و"معارضيه" من الإعلاميين، إذا ما تجرأ أحدهم، وتعرض للرئيس بالنقد (ولو الناعم)، بداية من باسم يوسف ويسري فودة، مروراً بريم ماجد وليليان داود، وانتهاءً بتوفيق عكاشة وإبراهيم عيسى، والذين كان لهم دور بارز في تأليب الرأي العام على الرئيس السابق محمد مرسي، والتمهيد شعبياً للإطاحة به من الحكم.

وجاء قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام، الذي مرره مجلس النواب، ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليستهدف عدداً من الصحف الخاصة، والمواقع الإلكترونية، إذ وضع قيوداً مشددة على إنشائها، وتغليظ عقوبات النشر بها، وضوابط مقيدة لمنحها التراخيص اللازمة، لعدم سيطرة النظام على جانب منها.

ودأب نظام السيسي، وبرلمانه، على مخالفة الدستور، إذ ألزمت المادة (72) منه، الدولة، بضمان استقلال المؤسسات الصحافية، ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام.

ويسيطر السيسي على تشكيل ثلاثة مجالس وهيئات لتنظيم الصحافة والإعلام، على أن يصدر قراراً بتسميتها قبل يوم 26 يناير/كانون الثاني الجاري، وفقاً للقانون السابق، الذي يلغي المجلس الأعلى للصحافة، واتحاد الإذاعة والتليفزيون.

ومنح القانون الأغلبية في عضوية المجالس الثلاثة لغير الصحافيين والإعلاميين، من ممثلي الجهات التنفيذية، على أن يختار رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات، وأعضاءها جميعاً، بعد ترشيح الجهات المعنية لضعف العدد المحدد لها، ليختار السيسي من بينها، حتى يضمن ولاء تلك الهيئات له، وخروج قرارتها بما يتوافق مع توجهات السلطة.

واعتبرت نقابة الصحافيين، التي اقتحمها الأمن للمرة الأولى بتاريخها، في مايو/أيار الماضي، أي تزامناً مع اليوم العالمي لحريّة الصحافة، أن تمرير القانون بهذه الصورة "يكشف عن نية ممنهجة، ومبيتة لدى النظام، للتلاعب بالقانون والالتزامات الدستورية، وضرب الحريات الصحافية والإعلامية"، فيما أعلنت اللجنة الوطنية للتشريعات الإعلامية، المشكّلة من رموز الجماعة الصحافية، عن رفضها القاطع للقانون.

ويسعى نظام السيسي للسيطرة على المجال الإعلامي من خلال سلسلة من التشريعات، تالية لقانون الإعلام، بهدف حجب عشرات المواقع الإلكترونية، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى نشرها لأخبار كاذبة، وتعارض موادها مع اعتبارات الأمن القومي، وهو المصطلح الفضفاض الذي سيتوسع النظام في استخدامه في ميثاق الشرف الإعلامي المنتظر.

المساهمون