العلمانية المتمدِّنة كذبة النظام السوري... وإعلامه

العلمانية المتمدِّنة كذبة النظام السوري... وإعلامه

17 سبتمبر 2016
محاولة إخفاء طائفية الحرب الدائرة (الأناضول)
+ الخط -
سورية دولة إسلامية، هذه الجملة لا يخفيها الدستور السوري أبداً من طيات مقدمته، أو حتى في أشد بنوده أهمية، المادة الثانية، والتي تجعل الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً من مصادر القوننة في البلاد. والشريعة تُنظم الحيز الاجتماعي في البلاد، قانون الأحوال الشخصية إسلامي، والأقليات الدينية المسيحية لها محاكم دينية خاصة، أي لا قانون مدنياً لتنظيم العلاقات الاجتماعية خارج المؤسسات الدينية وتقاليدها.
إلا أن النظام السوري يجتهد لإبراز صورة مختلفة. فيهتم الإعلام الرسمي بإبراز وجه لسورية مغاير عن الواقع الداخلي، وجهٌ شديد الاقتراب من الغرب، فيصور النظام مقاطع لشبان وفتيان يرقصون على الشاطئ، أو مقاهٍ وحفلات من دون فصل الإناث عن الذكور، وأحزاب الجبهة الوطنية لا تحتوي على أي حزب ديني أو ذي خلفية دينية. هذه الصورة يُريدها النظام ليحصل على مراده، في أن يظهر متفوقاً على هويات ما قبل الحداثة الدينية والمذهبية أمام غرب يلتقط الظواهر من القشرة الرقيقة.
للنظام آليات خفية في الإعلام، فهو لم يعد يعتمد على الإعلام الرسمي، لتجييش جمهوره، أو قيادة عقليتهم. بل يعتمد على الإعلام الأكثر قرباً، شبكات الأخبار الخاصة بكل محافظة، والشبكات الممولة من الأمن والتي تقود خططاً دقيقة لتزييف وعي العالم والمجتمع.
عبر "فسبوك" تبنت شبكات إعلامية صورة شاب وفتاة، تحت مسمى أول زواج مدني في سورية، الشبكات التابعة للنظام باركت للعروسين، والصفحات الاجتماعية عموماً تفاعلت مع الحدث، بوصفه فعلاً إيجابياً بوجه الأحداث الطائفية المتتالية في سورية. بشكل جلي يظهر تبني الصفحات الهامشية المدعومة من النظام للحدث على الرغم من زيفه وكذبه، ذلك لإبراز وجه آخر للنظام، لكي لا يبدو إسلامياً، وليبدو يملك ثقافة نقيضة لثقافة الهويات الطائفية والمذهبية.
هذا كلّه من دون أي استدلال على الطريقة التي تم فيها الزواج، فهو قطعاً ليس زواجاً مدنياً في سورية، حيث يُمنع الزواج دون الحصول على الأوراق الثبوتية التي تُثبت السماح الديني للمتزوجين، وأيضاً شرط القيام بإتمام أوراق إضبارة عقد النكاح، التي تخضع للشرع الإسلامي. بعد التبين من خلال الاتصال بأقارب العريس، عرفنا أن الزواج قد تم في لبنان ولم يُسجل في سورية، وأن الشاب ينتمي للحزب القومي السوري الاجتماعي، مما ساعده في الاقتراب من الهيئات الإعلامية الداعمة للنظام لدعم الفعل جماهيرياً. كل هذه الضجة هي محض هراء، جماهير النظام من الأقليات تنحو لإخراج صورة النظام من البُعد الإسلامي الذي يتبناه بحذافيره كأي نظام إسلامي آخر، لكن الشكل الذي يُريد إخراجه يُريده أن يكون مدنياً مختلقاً.
تبقى سورية دولة إسلامية، ويُمنع في مجلس الشعب طرح الزواج المدني كقضية للتصويت، فقد جرت محاولات عديدة للطرح منعت بقسوة، بل حتى إن النظام السوري اعتقل شباباً حاولوا المطالبة بالزواج المدني عبر "فيسبوك". فالنظام يحمي بقاء التكوينات الطائفية بوضعها المنفصل، ويمنع أي محاولة لانفتاح الطوائف على بعضها بعضاً، لكن يسمح بإطلاق شائعات يتبادلها الإعلام، وتجعله أبيض علمانياً، حديثاً ومتقبلاً للقيم الحديثة. هذا الكذب سيصل للإعلام الغربي كدلالة على العلمانية، وسيُكذب أمام مشايخ النظام ومراكزه الدينية خوفاً من ردة الفعل الدينية، وسيُعمم بين الشباب لكسب الود والقبول، كل هذا يُكرس النظام له جهداً، في أن ينشر أمراً كاذباً ليُستثمر كيفما اتفق.