الإعلام التونسي الخاص بين الدين والسياسة

الإعلام التونسي الخاص بين الدين والسياسة

28 فبراير 2016
منافسة بين القنوات الخاصة والرسمية (Getty)
+ الخط -
تحظى القنوات التلفزيونية والإذاعية الخاصة بنسب مشاهدة مرتفعة في تونس مقارنة بمؤسسات الإعلام العمومي إلا أنها وقعت مراراً بفخ البحث عن الإثارة بهدف استقطاب المستشهرين، حسب تصريحات رئيس نقابة الصحافيين ناجي البغوري الاعلامية التي تكررت في أكثر من مناسبة. الوقوع في خطأ البحث عن الإثارة عكس عدم استقلالية وانحياز معظم تلك القنوات، ما شرع الأبواب لطرح أسئلة عديدة.

وقد أكد الصحافي التونسي علي العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "إضافة إلى المؤسسات الإعلامية التي تواجدت قبل ثورة 2011 والتي كانت محسوبة على النظام السابق كقناة التونسية وقناة نسمة وإذاعة الزيتونة، برزت بعد الثورة قنوات تلفزيونية وإذاعية ومواقع إلكترونية جديدة سرعان ما خضعت أيضا إلى تصنيفات حسمتها الأحزاب السياسية".

وشرح العبيدي كيف أن الإعلام الخاص عرف "ذروة الصراع السياسي أثناء حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة التي أعاد قياديوها جريدة الحزب "الضمير" إلى الحياة وأسسوا أيضاً بتمويلات لا يزال مصدرها مجهولا، قناة الزيتونة، وهي قناة دينية تبث برامج حوارية سياسية". وقال العبيدي أن هذه المؤسسات تبنت خطابا دينيا وصل إلى حد الإفتاء والتكفير في بعض الفترات، وضعت العمل الصحافي في خدمة حزب حركة النهضة وحلفائها في مواجهة من سموهم آنذاك بـ"أعداء الشرعية".

في الجهة المقابلة اصطف رموز المعارضة وراء المؤسسات الإعلامية التي اتخذت من عدائها لحركة النهضة خبزها اليومي وتحولت منابرها الحوارية إلى فضاءات لشتم حكومة الترويكا والتشكيك في وطنيتها وقد ساهمت قناتا نسمة والتونسية وعدد من الإذاعات الخاصة في التجييش لاعتصام الرحيل الذي أنهى حكم الترويكا وعجل بتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

التغيرات السياسية وتأثيرها

وفي تعليقها على هذه الحرب السياسية بين مكونات الإعلام الخاص، قالت الصحافية التونسية نجلاء بن صالح لـ"العربي الجديد" إن "الإعلام التونسي خلال حكم الترويكا انقسم إلى قطبين: إعلام إيديولوجي له خلفية دينية موال للحكومة وإعلام اصطف في الجهة المقابلة لمحاربة هذه الإيديولوجيا. أما في هذه المرحلة، أي ما بعد الانتخابات الأخيرة وفوز حزب نداء تونس وتحالفه مع حركة النهضة فالمشهد تغير كثيرا وبدت عليه ملامح إعلام بن علي في موالاته للحزب الحاكم. فقناة نسمة مثلا والتي حاربت حركة النهضة أصبحت تكثف من الظهور الإعلامي لقياديي هذا الحزب بعد تحالف هذا الحزب مع الحزب الحاكم الذي يدعمه رئيس القناة وهو أمر أثار سخرية التونسيين وشكك في نزاهة القائمين على هذه المؤسسة الإعلامية".

سيطرة رجال الأعمال من السياسيين والمتنفذين على وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية أصبحت واضحة ومؤثرة أيضاً ما أجبر نقابة الصحافيين التونسيين على التدخل في أكثر من مناسبة للتحذير من مغبّة التدخلات السياسية في العمل الصحافي، عبر أصحاب المؤسسات ورجال الأعمال.

إعلام خاص بعيد عن الاستقلالية

وحول هذه المعضلة التي تشوه محاولات التونسيين خلق إعلام خاص مهني وجاد، تحدث الصحافي ومدير إذاعة تونس الثقافية محمد صالح العبيدي قائلاً: "لا توجد في تونس مؤسسات إعلامية خاصة مهيكلة بشكل كلاسيكي ومؤسساتي على شاكلة الدول الليبرالية التقليدية كفرنسا وبريطانيا، الإعلام الخاص في تونس نشأ تاريخيا في ارتباط إما بمنفعية السلطة ومحاولاتها للإيهام بوجود رأي بديل (نموذج حنبعل و موزاييك في بادية الألفية، ونموذج دار الأنوار في الثمانينيات)، أمر تجلّى بعد الثورة حيث اتضح أن لكل المؤسسات الخاصة تقريباً ارتباطاً برؤوس الأموال أو بالباحثين عن موقع داخل دائرة القرار الحكومي أو دائرة التأثير الحزبي، أمرٌ ما خلق حالة من التجاذب بين مضمون وسائل الإعلام الخاصة".

وأضاف العبيدي: "باتت التقسيمات بديهية للرأي العام من خلال قول: "هذه وسيلة ذلك الطرف اليميني وتلك وسيلة الطرف الحداثي أو اليساري. ولكن الخطير في المسالة التونسية هو وجود بعض وسائل الإعلام التي تعمل لصالح رؤوس الأموال المشبوهة التي تحوم حولها شبهة فساد، الأمر الذي يضر بمصداقية القطاع ويجعله في كثير من الأحيان عرضة للتشكيك والانتقاد".

ويناقش العبيدي الحلول، ويقول: "لا يوجد حل خارج إطار الدولة ومؤسساتها الدستورية، فمؤسسة كهيئة الاتصال السمعي البصري لا بد أن تكون لها جرأة فضح كل الممارسات وتبويب النشاط الإعلامي الخاص، أما في قطاع الصحافة المكتوبة فمن الضروري تأسيس مجلس للصحافة على غرار فرنسا يراقب كل التجاوزات، وتحكم تركيبته من أطراف مستقلة لها ارتباط فقط بالحقل العلمي لا غير".


اقرأ أيضاً: قيادي سابق في "داعش" يفضح مشاهد التنظيم الهوليوودية