عام صعب للصحافة في دول الخليج

عام صعب للصحافة في دول الخليج

28 ديسمبر 2016
(جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
في تقريرها السنوي حول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، والذي حمل عنوان "الصحافيون يدفعون ثمن ريبة السلطات"، عبّرت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن أنّ الصحافيين في الشرق الأوسط يعيشون تحت "ضغوط هائلة".

وفي دول الخليج العربية، تراجع مؤشر المملكة العربية السعودية عن العام الماضي بفارق مرتبة واحدة، لتتراجع إلى المرتبة 165 بفارق ثلاث درجات عن البحرين التي جاءت قبلها في المرتبة 162، أما الكويت فقد تراجعت 13 مرتبة بفارق سلبي كبير عن العام الماضي لتُصبح 103، ولكنها رغم ذلك ظلّت تتصدر قائمة دول الخليج في حرية الصحافة بفارق 14 مرتبة عن قطر التي أتت تاليًا في المرتبة 117، والإمارات في المرتبة 119، تلتها عُمان في المرتبة 125.

لا يبدو الأمر مطمئنًا في دول الخليج على مستوى استقلال العمل الصحافي وقدرته على التحرّك والعمل بعيدًا عن توجيهات السلطات المباشرة والضمنيّة، بل وإيقاف نشاطه ومطاردته.

ففي عُمان قامت السلطات في أغسطس/ آب الماضي بإغلاق صحيفة "الزمن" العمانية بعد
نشر الأخيرة ملفًا صحافيًا بعنوان "جهات عليا تغلّ يد العدالة"، زعمت فيه وجود شبهات بالفساد في مؤسسة القضاء وشبهة بالتواطؤ لصالح مستثمر أجنبي. ووجهت بصفة مباشرة انتقادات حادة لنائب رئيس القضاء الأعلى، ورئيس المحكمة العليا، حيث قامت السلطات باعتقال رئيس التحرير، إبراهيم المعمري، ومسؤول التحرير، يوسف البلوشي، ومن ثمّ إصدار أحكام بالسجن لثلاث سنوات لكل منهما مع الغرامة ومنعهما من مزاولة المهنة لمدة عام، إضافةً إلى الصحافي زاهر العبري، الذي أصدرت المحكمة ضده حكمًا بالسجن لمدة عام مع الغرامة.

وبعد اعتقال السلطات للثلاثة، قام يوسف الحاج، وهو نائب رئيس تحرير الجريدة، بنشر سلسلة من المقابلات الحصرية أجرتها الجريدة مع علي النعماني، نائب رئيس المحكمة العليا العمانية، تؤكد مزاعم الفساد في التقرير السابق. ولم تمر ساعات حتى قامت السلطات أيضًا باعتقال الحاج والتحفّظ عليه في مركز شرطة العاصمة مسقط، وإغلاق الجريدة.

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" على لسان نائب مدير قسم الشرق الأوسط إنّ "الزجّ بالصحافيين في السجون بسبب حديثهم عن تجاوز سلطة محتمل يقوض ادعاءات عُمان باحترام حرية التعبير". وأضاف: "إذا اعتقدت السلطات أن هذه الادعاءات غير صحيحة، عليها مناقشتها علنًا، لا حبس المراسلين". واعتبرت المنظّمة أن التهم الموجهة لرئيس التحرير المتعلقة بـ "النيل من هيبة الدولة" تنتهك المعايير الدولية لحرية التعبير، بما في ذلك الحق في انتقاد السلطات الحكومية والشخصيات العمومية، حسب البيان.

وأفرجت السلطات العُمانية عن المعتصم البهلاني، رئيس تحرير مجلة "الفلق" الإلكترونية، بعد احتجازه لمدة يومين، بسبب تغريدات نشرها على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، تناولت "يوم النهضة"، اليوم الذي يحتفل فيه العمانيون بتولي السلطان قابوس بن سعيد الحكم في السلطنة، حيث أعلنت المجلة بعدها تنحيه عن منصب رئاسة التحرير.
لكنّ هذا العام حمل معه غيمة سوداء من الأعباء الاقتصادية حجبت الرؤية أمام مستقبل كثير من المؤسسات الصحافية في الخليج، وأجبرت بعض الصحف الكبيرة على إنهاء نسختها الورقية مكتفية بموقعها الإلكتروني، إلى جانب إجراءات تتعلق بإغلاق بعض أفرعها وأقسامها وتسريح الموظفين. فقد أغلقت صحيفة الحياة بنسختها السعودية خلال هذا العام مكاتبها في مدينة جدة والمنطقة الشرقية، حسب مصادر، مكتفيةً بمكتبها الرئيسي في الرياض، نتيجة للعجز المالي، فيما قال أمين عام هيئة الصحافيين السعوديين عبد الله الجحلان في لقاء عبر القناة السعودية الاقتصادية، إن الصحافة الورقية في السعودية تشهد "تراجعًا كبيرًا" يصل إلى أكثر من 50 بالمئة، وأضاف الجحلان أن بعض الصّحف لم تعد تصرف رواتب موظفيها في مواعيدها، إضافة إلى لجوء أخرى لرأس المال، لافتاً إلى أن بعض الصحف وصلت فيها الأوضاع حد أنها ستغلق أبوابها بمجرد إيقاف الإعلانات الحكومية عنها.

في الإمارات، قالت صحيفة "7 Days" المملوكة للديلي ميل البريطانية إنها توقفت عن
إصدار نسختها الورقية بعد نحو 13 عامًا من العمل في الدولة. وعزت الصحيفة توقفها في بيان نشرته مواقع محلية إلى "البيئة الإعلامية الصعبة"، حيث سيكون آخر عدد منشور في ديسمبر الحالي. أما مدير الصحيفة مارك ريكس فقال إن "البيئة التجارية الحالية والتوقعات العالمية المقبلة من أجل الإعلانات المطبوعة لا تزال تواجه تحديات خطيرة"، وأضاف: "ثبت أنه لا يمكن إنشاء قاعدة بتكلفة مقبولة يمكن أن تقدم على عمل قابلة لتطبيق مستدام".

إجراءات التقشف شملت الجميع، فمؤسسات صحافية عديدة اتخذت سياسات مالية جديدة للحد من نفقاتها، بما فيها تقليص فرص التوظيف والتعاون، وخفض الرواتب، كما ألغت بعض البدلات ولم يعد من الممكن التوسع في مجالات التطوير المتعلقة بالدورات والانتدابات للصحافيين، وهذا بدوره سيؤثر على نَتَاج العمل الصحافي وجودة المواد المنشورة.

وانتشرت تساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي حول أوضاع العاملين في ظل هذه الظروف وارتباط هذه المؤسسات المباشر بالدولة، مع غياب كلي لنقابات مستقلة للصحافيين تضمن حقوقهم داخل هذه الصحف، باستثناء الكويت التي احتفلت بمرور خمسين عامًا على تأسيس "جمعية الصحافيين الكويتية" عام 1964، أما البحرين فعلى الرغم من أنها تمتلك فعلاً جمعية للصحافيين إلا أنها خاضعة لإشراف وزارة الإعلام حسب البند الثاني من النظام الأساسي للجمعية.


المساهمون